|
أنا باحث عن الحقيقة ، فالحقيقة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها والحوار هو خيار الأقوياء، وأتمنى أن أكون منهم...
د / عبد الوهاب الروحاني
نص الحوار مع صحيفة (اليقين):
-بداية كيف تنظر إلى المشهد السياسي اليمني الراهن؟
• بألتأكيد المشهد السياسي اليمني، ليس وردياً، ولكنه في نفس الوقت ليس كارثياً، كما تصوره بعض التحليلات، هناك قضايا تتطلب معالجة سريعة وعاجلة، ومحاولة إحتواء، وفي مقدمتها العلاقة بين السلطة والمعارضة.
- ومن المعني في الدرجة الأولى بهذا الإحتواء، السلطة أم المعارضة؟
• الذين يرفعون شعارات المصلحة الوطنية، والحرص على الوطن والمواطن، ويخشون على البلاد من أن تنزلق الى مخاطر مدمرة، هم المعنيون بالتنازل، وكل يدّعي وصلاً بليلى... سواء في السلطة أو المعارضة.
-باعتبارك أحد المتحمسين للحوار بين السلطة والمعارضة، برأيك ما سبب فشل الحوار بين الطرفين؟
• سبب فشل الحوار، هو التمترس، والمكابرة، وإعتقاد كل طرف من أطراف العملية السياسية (سلطة ومعارضة) بأنه يمتلك الحقيقة كاملة، وهو وحده الصح أو الصواب ، وغيره على خطأ، وهناك أيضا النافخون في الكير، الذين يسعون الى إشعال الحرائق، ويثيرون الفتن، حول كل قضية من قضايا الوطن، وفي كل مكان .. وهؤلاء يرون أن مصالحهم لن تستقيم، ولن تستمر، الاّ في ظل توتير الأجواء، وتلغيم منافذ وطرق الحوار، ولن يتورع هؤلاء حتى في تفجيرها.
-من تقصد بهم ... بالضبط؟
• الى جانب النافخين في الكير من أصحاب المصالح في الداخل، وهم كثر، أنا لا أستبعد أن هناك قوى إقليمية ودولية، ضالعة فيما يجري في اليمن، ولها مصلحة في عدم إستقراره... ثم دعني أقول لك أنه لو تحقق الإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والأمني في اليمن، لأصبحت اليمن دولة محورية، لها من القوة والتأثير، ما يمكنها من أن يكون لها رأيا في القضايا القومية والإقليمية، وحينها سيكون من الصعب على الآخرين تجاهله، فهذا هو بيت القصيد، أو بالأصح بيت العصيد، الذي نشهد آثاره في أماكن متفرقة من خلال تفجيرات، وتقطعات، وإقلاق أمن وحروب، ورفع شعارات إنفصالية...الخ .
-وماذا عن القوى الدولية، وما هي مصلحتها فيما يجري من تدهور في أوضاع اليمن؟
• صحيح ليس في اليمن، ما يمكن أن يُغري الآخرين من نفط، وثروات تدعو الى التسابق للسيطرة عليه، فليس في اليمن نفط، ولا ثروات كبيرة، كما في السعودية ودول الخليج الأخرى .. لكن اليمن لا تزال بكراً، ثم هي غنية بموقعها الإستراتيجي، فهي تتحكم بمضيق باب المندب، وبيدها السيطرة على حركة الملاحة عبر المحيط الهندي، والبحر الأحمر، ومن اليمن فقط، يمكن للعالم أن يطل على جنوب شرق القارة الأفريقية، فاليمن مهم لهؤلاء، وربما مغرياً أيضا.
ثم ليس مستبعداً أن هناك أجندة أمريكية غربية في المنطقة، لم تتكشف تفاصيلها بعد. ولكن لمزيد من التوضيح، دعني أتسآءل : ما معنى هذه الحشود الدولية الحربية الضخمة في خليج عدن، والبحر العربي، والبحر الأحمر؟؟ وما معنى تضخيم بعبع القاعدة، وتصاعد نموها في اليمن، وهي بيئة مسالمة، ولا يمكن أن تكون حاضنة أومولدة أو مصدرة للإرهاب؟؟ ثم ما الهدف من قصة عبد المطلب النجيري، المتهم بمحاولة تفجير طائرة أميركية، بمتفجرات مصنعة في اليمن ؟ وما معنى فبركة، أو إختلاق قصة الطرود المفخخة المشحونة من اليمن - كما زعموا- الى كنيس يهودي في شيكاغو بالولايات المتحدة الأميركية، وتداعياتها المضحكة في اليوم التالي في أنحاء مختلفة من أوروبا ؟؟
إن الأيام تخبئ لنا أشياء كثيرة لا نعرفها.. وعموماً، الآخرون لايهمهم ديمقراطية اليمن، أو إنتخاباتها، وكما قال أحدهم ’’ أمننا أهم من ديمقراطية اليمن’’ ، وهي رسالة واضحة، يجب أن نفهمها جيداً، ويجب أن نقول بالمقابل: أن ديمقراطيتنا هي من أمننا، وكما يهمنا ديمقراطيتنا وأمننا، يهمنا أمن الآخرين أيضاً.
-هناك من يرى أن الحاكم كان يخشى من مطالبة المعارضة في إصلاحات المنظومة الانتخابية لأنها ليست في صالح الحاكم؟
*ربما توجد مثل هذه التخوفات أو التخويفات، وإن وجدت، فهي – بالتأكيد- نتيجة لعدم قراءة وإستيعاب هذه الرؤية، وأيضا، لوجود أحكام مسبقة، ضد كل ما يأتي من الغير، وهي نتيجة ترسخ ثقافة رفض الآخر، التي استأصلت في واقعنا السياسي للأسف.
ولكني أجزم - شخصيا - أن إصلاح النظام الإنتخابي وفقا لمفهوم القائمة النسبية، فيه مصلحة وطنية، لأنه ينطوي على تطوير للتجربة الديمقراطية في اليمن، وسيسهم – لو تحقق- دون أدنى شك في تعزيز قيم وجود الدولة، وترسيخ ثقافتها في المجتمع، التي يجب أن تكون بديلا للثقافة العرفية المتوارثة.
-هل تعتقد أن المؤتمر جاد في السير باتجاه انتخابات انفرادية؟ ما آثار مثل هذه المغامرة؟
* الأمل لا يزال قائما في البحث عن إيجاد صيغ للتوافق بين السلطة والمعارضة، وهنا، لايجب أن نعقد الرهان على المغامرين، سواء كانوا في السلطة أو المعارضة، بل الرهان يجب أن يعقد على الحكماء من الطرفين، والمعول هو على حكمة فخامة الأخ الرئيس، فحكمته في معالجة الكثير من القضايا لم تخنه، وظني أنها لن تخونه هذه المرة.
أما دخول الإنتخابات، فليست مغامرة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال، أن تكون كذلك، فالإنتخابات هي إستحقاق دستوري، يجب أن يتم في موعده، والبديل عن إجراء الإنتخابات في موعدها2011م، هو التمديد لمجلس نواب فَقَدَ شرعيته، منذ التمديد له سنتين إضافيتين، بموجب إتفاق سياسي بين المؤتمر والمعارضة، في فبراير 2009م. والإتفاقات السياسية لا يمكن لها أن تلغي نصوصا دستورية، فالمعالجة بتكرار نفس الغلطة هو مخالفة دستورية جديدة، لا يجوز أن تتكرر.
-المعارضة تقول أنها مع الانتخابات ولكن بعد تهيئة الأجواء المناسبة لنزاهتها وشفافيتها؟
*فليتحاور الناس حول مسألة تهيئة الأجواء، وبالضرورة تحديد القضايا التي تخص تهيئة الأجواء، وأعتقد أن إعلان فخامة الرئيس، الإستعداد لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى الإشراف على سير العملية الإنتخابية، هي من أبرز قضايا تهيئة الأجواء المناسبة للدخول في إنتخابات نزيهة وشفافة.
-هل ترى أن الأجواء ملائمة لإجراء انتخابات نيابية؟
*الإنتخابات – كما قلت – إستحقاق دستوري، وهي ضرورية، ومطلوب إجراءها في موعدها، والاّ أخلينا بشرعية النظام السياسي، وشرعية مؤسسات الدولة الدستورية.
-كيف سيتم إقناع الحوثي أو الحراك الجنوبي بخوض الانتخابات أو حتى السماح بإجرائها مثلاً؟
*أنا أفترض أن المشاركة في الإنتخابات - أية إنتخابات- ستكون مفتوحة لكل القوى والأحزاب والتنظيمات السياسية وفقا للقانون، ووفقا للإنظمة واللوائح المنظمة للعملية الإنتخابية، ثم أن المشاركة لن تفرض على هذا أو ذاك، وإذا ما تعذرت مشاركة البعض، فهذا متاح في النظم الإنتخابية، وليس شرطا، وليس بالضرورة أن يشارك الجميع.
-ما تقييمك لردة فعل المعارضة؟
*لا أريد أن أبدو هنا متشائما، ولا أريد أن أستبق الأحداث، بإطلاق العنان للتوقعات بردود فعل هذا الطرف أو ذاك، فالمسألة متروكة لأجندة هذه الأحزاب أو التنظيمات السياسية، ومتروكة أيضا لخياراتها، لكني على قناعة بأن أحداً لن يعمل على هدم بيته بيده.
-ما الذي يمكن أن يخسره الحاكم من هذه الانتخابات الانفرادية؟
* اذا قيمنا العملية، بحسابات الربح والخسارة، فالجميع (سلطة ومعارضة) سيكون خاسرا، أما الخاسر الأكبر فهو الوطن، ولاشك سيكون ذلك على حساب التجربة الديمقراطية، فالنظام السياسي في بلادنا، يقوم على التعددية السياسية والحزبية، وحرية الرأي، وتبادل السلطة سلمياً، ومن مصلحة المؤتمرالشعبي العام، أن لا يدخل الإنتخابات منفرداً، لكن المشاركة من عدمها تخضع أولا وأخيرا لتقييمات المعارضة، مجتمعة في ’’ اللقاء المشترك’’، أو منفردة .
وحتى نترك باباً للأمل، فالوقت لايزال مواتيا، للإتفاق على مشاركة الجميع في إنتخابات نيابية تنافسية غير عاصفة، مع فتح باب للتنسيق بين المؤتمر الشعبي العام والمعارضة في بعض الدوائر، والتنافس في البعض الآخر، ليطمئن الجميع، وتضمن مشاركة وحضور الجميع.
-لكن لجنة الانتخابات مشكلة من طرف واحد ؟
*أتصور بأن تشكيل اللجنة العليا للإنتخابات من القضاة، الذين نفترض فيهم النزاهة والحيادية، هو أكثر الخيارات ملائمة، وقبولاً، لأننا إذا شككنا في نزاهة القضاء وحياديته، فلن يبقى أمامنا سوى تشكيلها من أمناء عموم الأحزاب والتنظيمات السياسية، بكونهم – في غياب ثقتهم بكل الناس، وبكل المؤسسات- الأكثر أمناً على تسيير العمليات الإنتخابية، ولكن سيكون لهذا المنحى – بالتأكيد- إنعكاساته غير الإيجابية على علاقة هذه التنظيمات والأحزاب بالشعب، وبقواعدها التنظيمية بصورة خاصة. وكنت قد أشرت لهذا المفهوم في مقالة نشرت مؤخراً في بعض الصحف والمواقع الإلكترونية.
-ما هو المطلوب سواء من السلطة أو المعارضة لتجاوز هذه الأزمة؟
*الجلوس على طاولة الحوار، والإستعداد لتقديم التنازلات من كل الأطراف، وتحكيم منطق العقل. وأنا على يقين أنه بالحوار الذي يستحضر معه المسئولية الوطنية، يمكن تجاوز كل الأزمات، وحل كل الخلافات، مهما بلغت من سخونة وحدة.
-ما تعليقك على خطاب الرئيس مؤخراً في عدن؟
*خطاب الأخ الرئيس كان قوياً وصريحاً، بما فيه الكفاية، وأهم ما فيه أنه جدد الدعوة للحوار. وأعتقد أنها مناسبة لإعادة إحياء الحوار الذي تنادي به المعارضة أيضاً، أما اذا كانت الأقوال تخالف الأفعال، فلمن يا ترى، توجه (السلطة والمعارضة) دعوات الحوار؟؟ وإذا كنا لن نتحاور مع بعضنا، فمع من سنتحاور !! مع الهنود الحمر مثلا!!.
-لا مع العيون الحمر الذي أغلقوا باب الحوار وحسموا قضية الانتخابات؟
*يا أخي، لا يزال الوقت مواتيا، بل ومهيئاً، وكما يقال ’’ما أضيق العيش، لولا فسحة الأمل’’. وعليه يمكن القياس ، والقول : ما أبعد الحوار لولا ومضات الأمل التي نراها تقترب.
-ما قراءتك لمستقبل الحياة السياسية في بلادنا في ظل المعطيات الراهنة؟
*إذا أخفق الحوار ، وحل محله العنف والفوضى، فمستقبل الحياة السياسية في اليمن ، سيكون في كف عفريت، لاسمح الله.
-هناك من يتهمك بتناقض مواقفك تارة مع الحاكم وتارة ضده؟
*ومن قال لك ولهؤلاء، بأنني تخليت عن إنتمائي التنظيمي للمؤتمر الشعبي العام؟ أنا عضو في اللجنة الدائمة، ولي في إطار هذا التنظيم حق التعبير عن آرائي ومواقفي، ومن يتهمني بإزدواجية المواقف، هو يقيم الآخرين وينظر إليهم وفقاً لقاعدة ’’ إن لم تكن معي فأنت ضدي’’، وهذا مفهوم عتيق وبالي، كان شائعاً في ظل الأنظمة الشمولية، وبالتالي هو مرفوض في ظل الديمقراطيات، وإشاعة حرية الرأي والتعددية الحزبية والسياسية.
-كيف استطعت التوفيق بين آراءك الداعمة للحاكم وبين عضويتك في لجنة الحوار الوطني؟
*أنا باحث عن الحقيقة ، فالحقيقة ضالة المؤمن، أينما وجدها فهو أحق بها. ووجودي في لجنة الحوار الوطني، أو في أي إطار يهتم بقضايا الحوار، هو إيماني بالحوار، وبأهمية الحوار في قضايا الوطن وهمومه، فالحوار هو خيار الأقوياء، وأتمنى أن أكون منهم.
في الأحد 26 ديسمبر-كانون الأول 2010 07:21:13 م