مع تواصل انهيار العملة.. الرئيس يبحث هاتفيا مع رئيس الحكومة خطة الانقاذ الإقتصادي وتدفق الوقود من مأرب وحضرموت ترامب يرشح أحد الداعمين بقوة لإسرائيل في منصب وزير الخارجية بـ 21 قذيفة مدفعية.. أردوغان يستقبل أمير قطر في أنقرة تفاصيل من لقاء العليمي برئيس أذربيجان إلهام علييف على هامش قمة المناخ 5 من نجوم الكرة اليمنية القدامى يشاركون في خليجي 26 بالكويت ماذا يعني قرار مجلس الأمن الأخير بشأن اليمن؟ إنهيار مخيف للريال اليمني في عدن صباح اليوم الخميس محكمة الاستئناف الكويت تحجز قضية طارق السويدان للحكم أردوغان يحسم موفقة من حرب غزه و يعلن قطع العلاقات مع إسرائيل القيادة الأمريكية تعلن عن ضربات جوية جديدة تستهدف مخازن أسلحة الحوثيين وتصدي لهجماتهم في باب المندب
مأرب برس - خاص
سررت كثيراً حين قام الرئيس بزيارة استطلاعية لمحطة (نوجور تورماني) النووية لتوليد الطاقة الكهربائية في فرنسا أثناء زيارته الأخيرة ، وسروري ناتج من أن هذه الزيارة سوف تحيط الرئيس علماً بالإمكانات الهائلة التي تتطلبها فكرة إنشاء محطة نووية للأغراض السلمية بدءا بالموارد المالية وانتهاء بالموارد البشرية ، ومن ثم سوف تتولد قناعة لدى الأخ الرئيس للعزوف عن ترديد أسطوانة توليد الكهرباء اليمنية بالطاقة النووية بعد يقينه أن من حوله من (حملة المباخر) قد غرروا به ودفعوه لتبني أكبر كذبة في برنامجه الانتخابي .
وأنا هنا لا أدعي أنه من المحال على اليمن أن تولد الكهرباء بالطاقة النووية ، ولكني أؤكد وأجزم وأقولها بملء فيَّ أن اليمن في ظل منظومة الفساد التي عجزت عن استكمال بناء المرحلة الأولى من محطة الغاز بمأرب لهي أعجز من أن تبني محطة نووية لتوليد الكهرباء حتى وإن بقدرة (100) ميجا وات ، وينبغي على النظام التوقف عن بيع الأوهام وتسويق الوعود الكاذبة المفضوحة عندما يدعي أن هناك ماراثون استثماري للفوز بإنشاء عدة محطات نووية لتوليد الطاقة الكهربية باليمن ، وفي هذا الصدد أود أن أوضح النقاط الآتية :
أولاً : أن تعيين الدكتور / مصطفى بهران وزيراً للكهرباء والطاقة ، لا يعني بأي حال من الأحوال أننا قد خطونا الخطوة الأولى للدخول في منظومة النادي النووية ، كون الرجل يحمل شهادة عالية في فيزياء النواة (وليس الفيزياء النووية) من إحدى الجامعات الأمريكية ، فما لا يعرفه الجميع عن الدكتور /بهران (وكاتب هذه السطور يعرفه معرفة جيدة حيث كان أستاذاً له في الجامعة) يقول كثيراً ويعمل قليلا، بالإضافة إلى بُعد تخصصه الدقيق عن مسائل إنشاء المحطات النووية السلمية أو الحربية ، ثم أن الرجل بعيد كل البعد عن الواقع الاجتماعي والاقتصادي للبلد كونه يعيش في مثالية ونرجسية جعلاه يرى أن أمريكا هي اليمن وأن اليمن هي أمريكا ، ولا فرق بينهما ، ويتضح ذلك من خلال اهتمامه بالمظاهر ، ومن خلال تصريحاته الصحفية الفاقعة اللون قبل وبعد توليه الوزارة ، منها على سبيل المثال لا الحصر :
- بهران : استكملنا البنية التشريعية وقانون الكهرباء والطاقة النووية (الثورة : السبت 16 يونيو 2007م) .
- بهران يبحث مع البنك الدولي مشروع توليد الكهرباء بالرياح في المخا (الثورة : الاثنين 7 مايو 2007م) .
- وزير الكهرباء والطاقة : دراسة 3 مواقع ساحلية لتنفيذ أول محطة نووية لإنتاج الطاقة الكهربائية (الثورة : الجمعة 15 يونيو 2007م) .
- بهران : إنشاء أول محطة لإنتاج الكهرباء بالطاقة النووية على أساس استثماري (الثورة : الأربعاء 15 نوفمبر 2006م) .
كل هذا يؤكد أن بهران ليس هو الرجل المناسب للمكان المناسب ، ولن يكون بأي حال من الأحوال أبو القنبلة النووية اليمنية .
ثانياً : أن أزمة المفاعلات النووية الإيرانية والكورية قد خلقت قناعة لدى أمريكا والدول الغربية أن المحطات النووية التي تستطيع تخصيب الوقود النووي (اليورانيوم) بنسبة (3-4%) - وهي النسبة المسموح بها من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية للاستخدامات السلمية للطاقة النووية – تستطيع الاستمرار في تخصيب (اليورانيوم) إلى نسبة (90%) - وهي النسبة التي تجعل منه وقوداً للسلاح النووي - ، هذه القناعة جعلت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها الدول النووية تدفع الوكالة الدولية للطاقة الذرية (وهي منظمة أممية) باتجاه تعديل قوانينها ولوائحها بحيث تحصر تخصيب الوقود النووي (اليورانيوم) في جميع مراحله بدول النادي النووي فقط ، وهذا يعني أن دول الشرق الأوسط التي تزود العالم بما فيه أمريكا بالوقود سوف تكون طاقتها مرهونة بسياسات وأهواء الدول النووية إذا ما اتجهت هذه الدول لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية كون الدول النووية هي المزود الوحيد لمحطات الطاقة النووية بالوقود النووي .
ثالثاً : أن التعويل على المستثمرين لبناء محطات نووية هو (عشم إبليس في الجنة) ، فرأس المال كما يقال جبان ، والمستثمر الناجح كما هو معروف لا يقدم على أي مشروع صغيراً كان أو كبيراً إلا بعد دراسة فاحصة للجدوى الاقتصادية منه ، وأنا أجزم أن الجدوى الاقتصادية من وراء إنشاء محطة نووية لتوليد الكهرباء في اليمن منعدمة تماماً للأسباب التالية :
1. ارتفاع تكلفة الإنشاء : فالتكاليف الرأسمالية لإنشاء (الوحدات الأولى) فقط للمحطة النووية تتراوح بين (2,000 – 2,300$) للكيلو الوات الواحد من الكهرباء ، وهذا يعني أن بناء الوحدات الأولى لمحطة نووية قدرتها (1,000) ميجاوات – وليس (20,000) ميجاوات كما وعد الرئيس أثناء خطاباته – سيكلف ما بين (مليارين إلى مليارين وثلاثمائة مليون دولار أمريكي) لأن (1000ميجا وات = مليون كيلو وات) ، أضف إليها تكاليف المسوحات الجغرافية والدراسات والتصاميم ، وتكاليف الوحدات النهائية للمحطة لترتفع التكلفة في أقل تقدير إلى (ثلاثة مليار دولار أمريكي) ، بينما يكلف إنشاء محطة غازية مماثلة فقط (ستمائة مليون دولار) أي (خمس) التكلفة !!
2. تكاليف التشغيل : عادة ما يروج المتحمسون لتوليد الكهرباء بالطاقة النووية أن أسباب تبني هذا النوع من المشروعات يعود إلى أن أسعار الوقود النووي رخيصة مقارنة بأنواع الوقود الأخرى كالمازوت والغاز ، ولكن تكاليف تشغيل المحطة النووية لا يقتصر على شراء الوقود النووي فقط بل يشمل تكاليف أخرى تعد أكبر تكلفة من محطات التوليد الأخرى كتشغيل الأيدي العاملة ، وضمانات السلامة الباهظة ، وتكاليف التخلص من النفايات النووية ، وبمقارنة سريعة بين تكاليف التشغيل المتعددة يتضح أن :
- تكاليف الوقود النووي : فهو وإن كان رخيصاً إلا أن المؤشرات تشير إلى ارتفاع سعره يوماً بعد يوم ، حيث بلغ سعر الوقود النووي (1 سنت) لكل كيلو وات / ساعة ، وبحسبة بسيطة سنجد أن المحطة النووية التي تعمل بقدرة (1,000) ميجا وات سوف تحتاج إلى وقود نووي بقيمة (100) مليون دولار سنوياً على الأقل .
- تكاليف الأيدي العاملة : فالأيدي العاملة بالمحطات النووية ليست كأي أيدي عاملة أخرى من حيث التأهيل العلمي ، والتدريب الفني ، والتأمين الصحي ، والحماية الأمنية ، والمكافآت والرواتب السنوية التي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من مليون دولار للفرد الواحد سنوياً ، ثم كم لدى اليمن من هذه الكوادر التي تستطيع تشغيل محطة نووية ، على حد علمي لا يوجد سوى بضعة أفراد لا يزيد عددهم عن أصابع اليدين وهؤلاء يمتهنون التدريس في الجامعات اليمنية ، وحتى اللجنة الوطنية للطاقة الذرية لا يوجد من بين أعضائها من يحمل التخصص الفيزيائي سوى بهران ، والعضو الآخر الذي كان يحمل مؤهلا علمياً إلى جانب بهران اعتزل اللجنة ولم يحضر سوى اجتماعه الأول قبل عشر سنوات .. وبالتالي فإن أي مستثمر لا بد أن يضع في حساباته تأهيل كادر فني تقني لتشغيل مشروعه ، وهذا بحد ذاته يجعل أي مستثمر يمحو من باله فكرة الاستثمار في المشاريع النووية .
- تكاليف التخلص من النفايات النووية : نظرا لأن النفايات النووية لها طبيعة خاصة تتمثل في عدم اختفاء آثارها السلبية على البيئة وصحة الإنسان حتى مع دفنها في مسافات عميقة تحت سطح الأرض فعنصر (البلوتونيوم 239) مثلاً فترة نصف الحياة لهذا العنصر هي 24 ألف سنة ، وبالتالي فإن الوصول إلى مرحلة موته وعدم تأثيره يتطلب مرور عشرة مراحل من أنصاف الحياة أي ضرورة مرور حوالي ربع مليون سنة قبل أن يصبح عديم الخطورة على الإنسان ، وهذا بالطبع له تكاليفه الباهظة ، أما إذا تم استخدام إحدى الوسائل التي تحفظ هذه المواد لأطول فترة ممكنة ، وهي براميل من الزجاج الكثيف ، والدائري تكلف 3 ألاف دولار لحفظ البرميل الواحد من النفايات.
- ضمانات السلامة : وهي لا تشمل فقط العاملين بالمحطة ، بل يتعدى الأمر إلى ضمانة سلامة البيئة المحيطة بالمحطة بكل مكوناتها البشرية والحيوانية والنباتية والمناخية .
3. مدة الإنشاء : في ظل الظروف الآمنة والمستقرة فإن أقل مدة يستغرقها بناء محطة نووية هي خمس سنوات ، وهي مدة طويلة بالنسبة لرأس المال ، أضف إلى ذلك فإن العمر الأقصى لعمل المحطة النووية هو أربعين عاماً فقط ، وهذا سوف يجعل المستثمر يفكر ألف مرة قبل الإقدام على هذه المغامرة .
4. بيئة الإنشاء : إن البيئة اليمنية لا تشجع على الاستثمار في أي مشروع عادي فضلاً عن الاستثمار في مجال الطاقة أياً كان نوعها ، فلا زال المستثمرون يتذمرون ويهربون من الاستثمار في اليمن ، فالبيئة اليمنية بيئة مضطربة وغير مستقرة ، حروب وفتن في كل شبر منها ، والقوانين والتشريعات معرضة للانتهاك والتعديل والتعطيل في كل لحظة ، والبنية التحتية منعدمة ، والفساد مستشر من قمة هرم السلطة إلى قاعدته ، والاقتصاد في انهيار مستمر ، وفوق كل هذا فإن القدرة الشرائية للمواطن اليمني غير مشجعة على الاستثمار.
لكل هذه الأسباب وغيرها أجزم أننا بعيدون جداً عن تحقيق هذه الوعود الجزافية والمخدرة .