ماذا ينتظر المعارضون العرب من بايدن؟
بقلم/ ياسر الزعاترة
نشر منذ: 3 سنوات و 8 أشهر و 13 يوماً
الأربعاء 03 مارس - آذار 2021 06:07 م
 

من تابع بعض ما يصدر عن رموز المعارضة العربية، وكثير منهم صار في المنفى، لأن من في الداخل؛ يتوزّعون بين السجون وبين الصمت خشية دخولها؛ فلا بد أنه عثر على الكثير من الآمال المعلقة على الرئيس الأمريكي الجديد (بايدن)، بخاصة فيما يتعلق بملف حقوق الإنسان في عالمنا العربي.

في هذا السياق، يتشبثون بخبر من هنا، وتعليق من هناك يشير إلى شيء كهذا، بجانب بعض الخطوات العملية، مثل الإفراج عن صحفي أو بعض النشطاء في هذا البلد أو ذاك، مع بعض التصريحات الأمريكية القديمة أو الجديدة التي تعلي من ملف حقوق الإنسان كعامل فاعل في ترسيم العلاقات الدبلوماسية.

نفتح قوسا كي نشير إلى أن هذه السطور كُتبت قبل إعلان تقرير الاستخبارات الأمريكية بشأن جمال خاشقجي، رحمه الله، بل ربما كان انتظار البعض للتقرير، واحدا من أسباب كتابتها، تبعا للآمال المعلقة عليه. وقد جاءت النتيجة كي تؤكد المضمون.

ما يثير الشجون هنا، هو أن كثيرا من الأخطاء التي تتورّط فيها قوى المعارضة العربية، وفي مقدمتها القوى الإسلامية (الأكثر حضورا) في المرحلة الأخيرة، إنما تتمثل في سوء التقديرات السياسية، أو عدم دقتها في أقل تقدير، ومن ثم العجز عن رؤية الأوضاع على حقيقتها؛ بأبعادها المحلية والإقليمية والدولية، الأمر الذي يوقعها في أخطاء، بل حتى كوارث في بعض الأحيان.

أتذكر أنني حضرت قبل حوالي 8 سنوات، جلسة مع معارضين سوريين؛ تركز الجدل خلالها حول ما إذا كان عليهم تأييد التدخل الدولي في سوريا أم لا، وكانوا يتحدثون عن ذلك التدخل (على شاكلة ليبيا) كما لو كان حقيقة لا مراء فيها، وكان بعضهم يتحدثون عن إصدار بيان سياسي يؤيد ذلك التدخل.

 

قلت لهم يومها، إنني ضد التدخل الأجنبي من حيث المبدأ، لكن المشكلة أنكم تحمّلون أنفسكم عبء موقف لا أمل فيه أصلا.

 

ولكن في حال صار التدخل الدولي حقيقة؛ ولن يكون، فأيِّدوه كما يحلو لكم. ولنتذكّر أن الجدل هنا لا يتعلق ببيان، بل بانتظار الوهم، بما يترتب عليه من مواقف وبرامج.

اليوم يأتي بايدن إلى السلطة في الولايات المتحدة بعد مرحلتين فارقتين: الأولى أنه يأتي بعد رئيس أرعن، لم يكن يتردد في القول إنه يعشق الطغاة، ووصف أحدهم بأنه "دكتاتوره المفضل"، وكان يمنحهم غطاءً للقمع دون أي تدخل أو انتقاد، بخاصة إذا ما أشبعوا شهوته الأولى ممثلة في خدمة الكيان الصهيوني، وشهوته الثانية، ممثلة في الخضوع للابتزاز المالي.

أما المرحلة الثانية، فتتمثل في أنه يأتي في ظل حالة قمع غير مسبوقة في المنطقة العربية، إذ تعيش العديد من الدول العربية حالة "عسكرة" للمجتمعات، لم تُعرف منذ عقود طويلة؛ تغيب معها أبسط أبجديات حقوق الإنسان.

 

في المقابل هناك بُعدان يتجاهلهما المعارضون العرب، أو بعضهم في معرض قراءة موقف بايدن من قضية حقوق الإنسان في المنطقة.

الأول يتمثل في السيرة التاريخية لأمريكا حيال هذه القضية، وحيث لم تكن إداراتها المتعاقبة معنية في أي مرحلة بهذه القضية إلا في سياق الابتزاز، كما حدث أيام جورج بوش (الابن)، وبعد هجمات سبتمبر 2001، مع بعض التفاوت بين مرحلة وأخرى.

والخلاصة أن هذا الملف لم يكن يوما هو المحدّد لطبيعة العلاقة بين أمريكا وبين الأنظمة العربية ولا حتى سواها، لا سيما في العقود الأخيرة التي صار فيها الموقف الصهيوني هو الأكثر تأثيرا في تعاملها مع ملفات الشرق الأوسط (تبعا لتصاعد النفوذ الصهيوني داخل أمريكا بالطبع)، ووصل الحال حد توريطها في غزو العراق تبعا لهذا البعد.

ولك أن تتذكر كيف رد العرب على هجمة بوش تحت عنوان مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، ببعض التغييرات "الديكورية" في الداخل، ومن خلال طرح "المبادرة العربية" في قمة بيروت 2002، والتي وافق عليها الجميع دون استثناء.

البعد الثاني هو المتعلق بطبيعة المرحلة الجديدة في المشهد الدولي، وحيث يعيش العالم بجانب حالة التعددية القطبية (النسبية)، حالة من صراع القوى بين الولايات المتحدة وبين الصين، بجانب روسيا على تحديد موازين القوى الجديدة في العالم، الأمر الذي سيفرض على كل قوة أن تبادر إلى كسب الحلفاء إلى جانبها، وليس بيعها من أجل حقوق الإنسان، لا سيما أنها تدرك أن تصعيد الضغوط في هذا الاتجاه، سيدفع تلك القوى إلى الذهاب إلى الصين وروسيا؛ مع أن طبيعة القوى الإمبريالية هي رفض الإصلاح السياسي الذي يمنح الشعوب شراكة حقيقية في السلطة والثروة، وبالطبع لأنه يهدد مصالحها، خلافا للأنظمة الدكتاتورية.

 

هل يعني ذلك أن شيئا لن يتغير، وأن زمن بايدن هو ذاته زمن ترامب؟

 

الجواب هو لا، فقد تضطر بعض الأنظمة لإجراء تحسينات محدودة في أوضاع حقوق الإنسان في الداخل، مجاملة للموقف الأمريكي الجديد، من جانب، وتجنبا للابتزاز من جانب آخر، لكن بؤس الأوضاع الراهنة، سيجعل أي تحسين قادم؛ مجرد "مكياج" بسيط على وجه بشع.

 

من هنا، فإن الأفضل هو عدم شراء الوهم، واستمرار التعويل على ضغط الجماهير، ومن ضمنهم المعارضة من الداخل والخارج، من أجل تحسين شروط حقوق الإنسان، أو على أمل جولات جديدة من الربيع العربي، بحسب الظروف المستجدة، بخاصة ما يتعلق ببؤس الأوضاع الاقتصادية كعامل حافز على التحرك، فضلا عن التطورات الإقليمية والدولية التي قد تفرض معطيات جديدة ترشّد سلوك بعض الأنظمة، وتدفعها نحو المصالحة مع الداخل من أجل مواجهة تحديات الخارج، وحيث تسجّل أهمها الكثير من الفشل على صعيدها.

هنا ستكون المعارضة، وفي مقدمتها القوى الإسلامية جاهزة للتفاهم على الأرجح، لأنها تفضل العضّ على الجراح، على أن يتم ابتزاز أنظمتها لصالح الكيان الصهيوني ومشروعه، فضلا عن تكريس عجزها عن التصدي لعدوان إيران الذي يشعل حريقا مدمّرا للمنطقة، بجانب ابتزازها ماليا واقتصاديا، دون أن يفضي ذلك إلى تغيير جوهري في ملف التعددية وحقوق الإنسان، لا سيما أن عقلاءها يدركون أن أمريكا، وكل القوى الإمبريالية (فضلا عن الكيان الصهيوني) كانت وما زالت تفضل الأنظمة الدكتاتورية على حرية الشعوب وامتلاكها لإرادتها وقرارها.