الإنترنت في العالم العربي .. تحت الحصار
نشر منذ: 18 سنة و 9 أشهر و 30 يوماً
الجمعة 13 يناير-كانون الثاني 2006 10:25 م

الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان تؤكد تزايد مساحة القمع المعلوماتي في الدول العربية

ضمن إعلان استقلال الفضاء التخيلي، على الكثير من بلدان العالم، ذكر أحد المواقع الحقوقية عبارة تقول «نحن نكوّن عالماً يسمح لأي شخص، في أي مكان بالتعبير عن آرائه، أياً كان اختلافها،

 بدون خوف من أن يجبر أحد على الصمت أو التوافق على ما هو سائد». لكن يبدو أن هذه العبارة لم تخرج من الدول الغربية لتدخل العالم العربي الذي ما زال واقعاً تحت الحصار والرقابة في استخدام الانترنت على الرغم من تطور استخدامه وانتشاره الواسع، واستغلاله من قبل بعض الجماعات الحقوقية النشطة ولا سيما المجموعات التي لم يكن متاحاً لها في السابق التعبير عن نفسها وطرح أفكارها وهمومها مثل «جماعات المعارضة السياسية»، يسارية وإسلامية، أو جماعات حقوق الإنسان. وكما ذكرت الدراسة الحقوقية التي أصدرتها الشبكة العربية لحقوق الإنسان تحت عنوان «الانترنت في العالم العربي.. مساحة جديدة من القمع»، والتي صدرت الأسبوع الماضي، إن الحكومات العربية دخلت بدورها حلبة الصراع وبدأت تبذل الجهد لتحكم حصارها على هذه الوسيلة الجديدة التي قد تسبب لهم بعض المشاكل نتيجة لتلك المساحة من الحرية البعيدة عن سيطرتها، فلجأت إلى الأساليب العادية التي تشمل أغلب الحكومات العربية عند تعاملها مع مسألة حرية الرأي والتعبير وهو المصادرة والرقابة، فضلاً عن استخدامها للوسائل الجديدة والمتعلقة بهذا الوافد الجديد مثل تحكمها بالمنبع من خلال برامج الفلترة الإليكترونية، واستخدام الحل الشائع والتقليدي، وهو تلفيق القضايا والزج بمن يتجاوز الخطوط الحمراء ـ غير المعروفة أصلاً ـ داخل السجون بدعاوى واهية مثل «الإساءة لسمعة الدولة، السب والقذف، أو لحماية الآداب والقيم العامة ... الخ» بل ان بعض الحكومات العربية اختصرت الطريق تماماً بحرمان شعوبها أصلاً من الاتصال بالإنترنت مثل حكومة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، الذي برر منعه لاستعمال شبكة الإنترنت وحتى عام 2000 بزعمه أن شبكة الإنترنت «وسيلة دعاية أميركية». ويقول جمال عيد، الباحث القانوني والمدير التنفيذي للشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، إن شبكة الانترنت مثلت فرصة جيدة أمام أحزاب وجماعات المعارضة العربية، حيث سمح للعديد منها بزيادة التواصل مع مؤيديها، فضلاً عن كسب تعاطف وتأييد المزيد من المواطنين، نظراً لسيطرة الحكومات العربية على وسائل الإعلام التقليدية بشكل محكم كان يصعب معه أن تخرج مقالة أو خبر أو تعليق يتضمن نقداً لسياسات تلك الحكومات، حتى وإن تم ذلك، ففي السجون العربية متسع للمزيد من الصحافيين وأصحاب الرأي. وكان من الملاحظ أنه مع زيادة القمع الذي تمارسه دولة ما ضد معارضيها، كانت أعداد المواقع المعارضة لها تزيد بدورها، وقد رصدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان العشرات من المواقع التي تنطق بلسان تلك المجموعات المعارضة، كان على رأسها المجموعات اليسارية والإسلامية المعارضة للحكومة العراقية قبل الاحتلال الأميركي، التي كانت تبث مواقعها من دول عديدة مثل السويد وإنجلترا وألمانيا والدنمارك، وكذلك المواقع العديدة التابعة لجماعات وقوى المعارضة الليبية. وتكرر هذا الأمر مع اختلافات نسبية بالعديد من الحكومات العربية، مثل تونس وسوريا والسودان والبحرين، بل ان دولاً تعرف بانفتاحها النسبي مثل مصر، لم تسلم من مجموعات قامت من الخارج بإنشاء مواقع لها لتندد بما تزعمه من اضطهاد وتمييز مثل مواقع أقباط المهجر أو المواقع التي نشأت حديثاً وبدأت تعمل لمحاولة خلق رأي عام ضد قضية توريث الحكم في مصر، وهو ما جعل هذه المواقع الهدف الأول للحجب بالدول العربية .ثمة مقولة للمهندس رأفت رضوان، رئيس مركز المعلومات بمجلس الوزراء المصري مفادها أن «الرقابة على مقاهي الإنترنت لا بد أن تكون موجودة، شأنها شأن أي نشاط آخر يحمل في طياته عناصر طيبة وعناصر خبيثة، ولذلك فلا بد أن تخضع لعدة قيود، أولها: نوع من أنواع التحكم المركزي فيما يتم استقباله من شبكة الإنترنت العالمية بالنسبة لما يتعارض مع المبادئ المصرية، كذلك فإن شرطة حماية الآداب التابعة لوزارة الداخلية يجب أن تقوم بدورها في الرقابة على المواقع، كما أنشأت إدارة جديدة تتبع الإدارة العامة للمعلومات والتوثيق تحت اسم «إدارة مكافحة جرائم الحاسبات وشبكة المعلومات» بات أغلب المهتمين بحرية الرأي والتعبير في مصر يعرفونها باسم شرطة الإنترنت».

وعلى الموقع الذي يديره من هولندا، ذكر الناشط الإسلامي أسامة رشدي أن أبرز أسباب اعتقال المهندس صلاح هاشم الذي تتهمه الدوائر الأمنية المصرية بأنه ضمن مؤسسي تنظيم «الجماعة الإسلامية» جاء بعد تبادله لبعض رسائل البريد الإلكتروني مع قياديين إسلاميين بالخارج. تتعلق بتقييم ما عرف بكتب «المراجعات الفكرية» التي أصدرها القادة التاريخيون لـ«الجماعة الإسلامية» المحتجزون في السجون المصرية. وفي الخامس من يونيو 2003 قررت نيابة أمن الدولة العليا في مصر احتجاز 12 من قادة جماعة «الإخوان المسلمين» في محافظة المنوفية 15 يوماً على ذمة التحقيق، وتضمنت لائحة المتهمين عددا من القائمين على موقع «نافذة مصر» على شبكة الإنترنت والذي يبث أفكار الجماعة وبياناتها ونشراتها ورسائل مرشدها العام السابق مأمون الهضيبي. وأشارت مذكرة التحريات عن تفاصيل تتعلق بلجوء «الإخوان المسلمين» إلى استغلال شبكة الإنترنت للتخاطب بين عناصرها عن طريق برنامج الـ«بال توك» ونشر وبث المواد التي تتعلق بالجماعة وأخبار قادتها ونقل التكليفات في ما بينها.

اما بالنسبة إلى اليمن فإن التقرير الحقوقي يؤكد أن كل الطرق تؤدي إلى الخلف، فقد أشارت الإحصاءات حتى عام 2003 إلى أن عدد أجهزة الحاسوب في اليمن تصل إلى 140 ألف جهاز، أي بنسبة 7 حواسب لكل ألف نسمه من السكان، وفي نهاية عام 2002 بلغ عدد المواقع اليمنية على شبكة الإنترنت 248 موقعاً، منها 51 موقعا حكوميا، و15 إخباريا، و24 منظمات وسفارات، و91 شركات خاصة، و23 تعليمية تربوية، و6 بنوك وشركات تأمين، و7 منتديات وخدمات. وبحسب التقرير فقد أدت الإجراءات التي تقوم بها وزارتا الاتصالات والثقافة المتمثلة في مراقبة وحجب العديد من المواقع على شبكة الإنترنت إلى تراجع كبير في عدد مستخدمي الإنترنت، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل امتد ليصل إلى إزالة الحواجز العازلة بين رواد مقاهي الإنترنت والقيام بكشف شاشة الأجهزة إلى الخارج بعد أن كانت لكل شخص كابينة خاصة يتصفح المواقع فيها من دون أي تلصص أو رقابة.

وعلى الرغم من أن تونس هي أول دولة عربية ارتبطت بشبكة الإنترنت في عام 1991، إلا أن مستخدمي شبكة الإنترنت في تونس ليست لهم خيارات عديدة ومتنوعة فيما يرغبون في تصفحه من مواقع الإنترنت حيث توجد لدى تونس طائفة من القوانين المنظمة لاستخدام الإنترنت تُعدّ أكثر القوانين تفصيلاً في المنطقة كلها، وقد أُعدَّ جانب كبير منها على نحو يضمن ألا يفلت أي نقد أو تعبير عن الرأي من نفس القيود المفروضة على أجهزة الإعلام الأخرى. إذ يقضي «مرسوم الإنترنت» الصادر عام 1997 بأن تتحمل الشركات التي تقدم خدمة الإنترنت المسؤولية عن المعلومات المتداولة عبر الشبكة، وأن تقدم لأحد أجهزة الدولة قائمة بأسماء المشتركين في الإنترنت، كما يحظر المرسوم المذكور استخدام نظام للتشفير. ويقول التقرير إنه يتم اعتقال عشرات المواطنين شهرياً على خلفية مراقبة الرسائل المتبادلة بين مستخدمي الشبكة ـ الذين يتبادلون في ما بينهم مقالات أو تقارير صحافية عن الأوضاع الداخلية في سورية ـ وهو ما يعد من الخطوط الحمراء بالنسبة إلى أجهزة الأمن والسلطة السياسية هناك، فعلى سبيل المثال تم اعتقال الشاب عبد الرحمن الشاغوري بتهمة ثرثرة إنترنت في 23 فبراير 2003 وكان سببَ الاعتقال مقالٌ عن «منتدى جمال الأتاسي» أرسله إلى بعض أصدقائه عبر البريد الإلكتروني.

وأن تكون مستخدماً للإنترنت في العراق، وحتى نهاية عام 2002، فأنت من النخبة الخاصة والغنية جداً هناك. فضمن شعب يبلغ تعداده نحو 24 مليون نسمة لم يكن عدد مستخدمي الإنترنت يزيد عن 45 ألف مستخدم في نهاية 2002، كان الكثير منهم من كبار موظفي الدولة، والباقون هم أغنياء يستطيعون دفع ألفي دينار عراقي عن كل ساعة (ما يعادل دولارا أميركيا) وهي تكلفة تعادل عشرين في المائة من متوسط الأجور في العراق في هذا الوقت.

ولأنه بات من الصعب أن يعدم ذوو الحاجة وسيلة لاختراق هذا الستار الحديدي الذي فرضه النظام العراقي السابق حول حرية الاتصال وتداول المعلومات، فقد لجأ العديد من الشباب إلى مدن إقليم كردستان في الشمال، حيث يملكون حرية الدخول إلى المواقع التي يريدونها وبأسعار مقاربة للأسعار في العراق، وتصل نسبة القادمين من المناطق الخاضعة للسلطة المركزية إلى مراكز الإنترنت في إقليم كردستان إلى قرابة 10% حيث يقوم الشبان بصفة خاصة بزيارة الإقليم في شكل مجموعات والدخول إلى المواقع التي يريدونها ومخاطبة الجهات التي يرغبون الاتصال معها. وتكاد الإنترنت أن تكون المتنفس الوحيد للمواطن الليبي، وعلى الرغم من أن خدمة الإنترنت بدأت في ليبيا منذ نهاية عام 1998، إلا أنها كانت قاصرة على دوائر مقربة جداً من قمة السلطة، ولم تتح الفرصة للمواطن الليبي في التعرف على تلك الخدمة فعليا سوى في بداية عام 2000 .

ويقول التقرير أيضا «.. وبعد أن كان عدد مستخدمي الإنترنت في عام 1998 لا يتجاوز مائة مستخدم قفز الرقم بعد أن أتيحت الخدمة للمواطنين إلى 300 الف مستخدم في بداية عام 2001، ثم إلى نحو 850 ألف مستخدم في منتصف عام 2003، ويكاد الرقم يصل إلى المليون، وهي نسبة مرتفعة بكل المقاييس، في دولة لا يزيد عدد سكانها عن ستة ملايين نسمة».

ويعود هذا الارتفاع المطرد في أعداد مستخدمي الإنترنت في ليبيا إلى وعي كل من السلطات الليبية ومجموعات المعارضة الكثيرة والمنتشرة بالخارج، بدور الشبكة في نقل المعلومة والاتصال والتأثير الفعال في أفكار مستخدميه، ودور قطاع تكنولوجيا الاتصالات ودورها في التنمية الاقتصادية.

وعلى الجانب الآخر، جاءت خدمة الإنترنت لتتيح فرصا هائلة لمجموعات المعارضة الليبية المنتشرة بالخارج، لتفتح لها أفقا أوسع وأرحب للاتصال بالمواطنين الليبيين في الداخل وتزيد الترابط بينهم بالخارج، حتى باتت مواقع المعارضة الليبية على الإنترنت هي الأكثر عدداً، وتكاد تكون المواقع الأكثر انتشاراً بين المواطنين الليبيين، وكان وجود تلك المجموعات المعارضة بالخارج، وأغلبها في أوروبا، قد خلق لها ميزة نسبية، حيث التقدم التكنولوجي والتقدم التقني الذي يشهده عالم الإنترنت وأسبقية استخدام تلك الشبكة. وتقول الدراسة إن الموقف المتذبذب والمتردد من أغلب الحكومات العربية تجاه ما تتيحه شبكة الإنترنت من إمكانيات ومزايا، وما يرونه من مشكلات ـ من وجهة نظرهم ـ تخلقه نفس الإمكانيات من جانب آخر. ينعكس بدوره على انتشار أو انحسار استخدام الإنترنت في المنطقة. ويبدو أن تجربة بعض بلدان الخليج العربي مثل الكويت والإمارات وقطر الناجحة في مجال نشر استخدام شبكة الإنترنت، رغم بعض سلبياتها، قد بدا يغري البلدان الأخرى لتحذو حذوها، وإن كانت بخطوات بطيئة. والحدة التي شابت بعض أجزاء هذه الدراسة، هي بالأساس للتأكيد على الرفض الجازم لإهدار حرية الرأي والتعبير على الإنترنت في المنطقة العربية، فضلاً عن الانزعاج البالغ لوجود المنطقة في أسفل قائمة المناطق المرتبطة بشبكة الإنترنت في العالم، رغم توافر الإمكانيات البشرية والمادية بالمنطقة التي يمكنها أن تتيح وضعاً أفضل من هذا بكثير.

* صحيفة الشرق الأوسط

مشاهدة المزيد