كيري يدفع باليمن إلى مأزق خطير
بقلم/ ياسين التميمي
نشر منذ: 8 سنوات
الأحد 30 أكتوبر-تشرين الأول 2016 09:25 م

نجح وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، أخيرا في الدفع بالحرب في اليمن إلى مأزق خطير وغير مسبوق، بإصراره على تمرير خطة مشوهة لما يَعْتَقد هو أنه حل، وما يراه اليمنيون تدشينا لمرحلة طويلة من الحرب الأهلية، بلا ضوابط ولا كوابح ولا مرجعيات دولية.

كنتُ أتساءل دائما من أين جاء كل هذا الشعور بعدم الاكتراث من جانب الوزير كيري إزاء الدماء التي تسيل على مذبح السلطة الطائفية لإيران وتوابعها في منطقتنا من دول وأحزاب وحركات مسلحة.

يعاني كيري من عقدة السقوط في معركة الانتخابات الأمريكية، التي لطالما نجح اللوبي اليهودي في التحكم بالفائزين فيها، ولكنه لم ينجح حتى الآن في إيصال شخصية من جذور يهودية إلى البيت الأبيض، وجون كيري إحدى هذه الشخصيات، لهذا يتصرف بهذا القدر من عدم الاكتراث إزاء قضايا تمس الكرامة الإنسانية.

إنه السلوك الشاذ الذي يجعل المرء يقف مذهولا وهو يرى علاقة وزير الخارجية الأمريكي تزداد رسوخاً بنظيره الروسي سيرجي لافروف، كلما أمعنت روسيا في قتل السوريين، ولا زلت أتذكر كيف أطلق هذا الوزير تصريحاً مقتضباً في 24 آذار/ مارس 2015، أقر فيه بحقيقة أن الحوثيين على وشك الوصول إلى عدن دون أن يظهر أي مستوى من القلق، ولماذا يقلق وهو الذي شجعهم على القيام بإسقاط صنعاء وبارك خطة اقتحام المدن والاستيلاء على الدولة لولا تدخل سعودي متأخر ولكنه أجهض هذا المخطط الخبيث إلى حد كبير.

كان مشهد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ، وهو يدلي بتصريح للصحفيين في مطار صنعاء قبل أقل من أسبوع بعد زيارة استمرت يومين، مثيراً للاشمئزاز فقد قال بكل ثقة إنه عرض خطة على الحوثيين وحليفهم المخلوع صالح، خطة للسلام تحظى بتأييد دولي غير مسبوق.

هذه الثقة بشأن الدعم الدولي للخطة استمدها ولد الشيخ من اجتماع لندن الأخير للرباعية التي تضم وزراء خارجية الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والسعودية والإمارات. في هذا الاجتماع مارست واشنطن ولندن ضغوطات على الرياض للقبول بالخطة مقابل عدم الذهاب إلى مجلس الأمن لاعتماد قرار وقف إطلاق النار بالقوة.

لهذا تصرف المبعوث الأممي حيال السلطة الشرعية من منطلق الاعتقاد بأنها ملحقة بالتحالف العربي وبالتالي فإن العناء ينبغي أن ينصب لإقناع الطرف المدلل (الحوثيين-صالح)، ولم يحسب أن الشرعية بيدها أن تقلب الطاولة وأن تمنح الإسناد للموقف السياسي المترنح للتحالف.

تهدف خطة كيري القديمة الجديدة، والتي أراد فرضها على طرفي الحرب في اليمن: السلطة الشرعية وجماعة طهران (الحوثيين-صالح) إلى إزاحة الرئيس ونائبه، وتعيين قيادة سياسية يمنية جديدة، يكون الحوثيون راضين عنها بالكامل.

لا تتردد هذه الخطة في نسف المرجعيات التي قامت عليها عملية الانتقال السلمي للسلطة والتي يمثل الرئيس الانتقالي محورها الأساسي، ولا تتوفر على أية ضمانات بشأن عدم قيام الانقلابيين مجدداً باستغلال الحاضنة الطائفية والسيطرة المطلقة على مسرح العمليات العسكري في العاصمة في الإطاحة بالصيغة المقترحة للسلطة الانتقالية إذا ما قدر لها أن تمارس سلطتها من صنعاء.

 

نحن هنا لا ندافع عن أحد، حتى الرئيس هادي نفسه قد لا يكون هو الرئيس الذي كان يتطلع إليه اليمنيون لقيادة البلاد في هذا الظرف الصعب، ولكن وجوده على رأس السلطة هو الذي أفسد على الانقلابيين خطة استعادة الحكم وتأسيس نظام جهوي طائفي راسخ ومرتبط بإيران في اليمن.

من الواضح أن خطة تمكين الحوثيين يمكن أن تمضي قدماً إذا لم يتم إيقافها بشجاعة، إذ لم تكن أمريكا لتتصرف بوقاحة كالتي نراها اليوم تجاه حليف استراتيجي تاريخي مثل المملكة العربية السعودية، لولا أن سياسة التحالف العربي في اليمن هي التي أدت إلى مواقف أمريكية لا تتسم بالمروءة كهذه.

طيلة أكثر من عام ونصف دأبت الرياض وأبو ظبي على تثبيط همم المقاتلين على خط التحالف، وإعادة فرزهم بطريقة مقززة، وكان يفترض أن ينتهي سلوك أرعن كهذا بهزيمة ساحقة للتحالف منذ الأيام الأولى، لولا أن الذين يقاتلون في الميدان، مؤمنون بالمشروع الذين يقاتلون لأجله، ولأنهم مدركون أن القتال هو الطريقة الوحيدة لتفادي كارثة سقوط الوطن في براثن الحقد الطائفي الإيراني.

لقد بلغ المقاتلون على خط التحالف مرحلة من اليأس وعدم اليقين، أدركوا معهما أن خياراتهم السياسية صفرية تماماً، في التعامل مع الوضع الناشئ عن انقلاب 21 أيلول/ سبتمبر 2014 وسقوط صنعاء في التاريخ نفسه.

ورغم انسحابهم من معركة دُفعوا إليها دفعاً قبل وعقب سقوط صنعاء، بعد أن أدركوا أن الحوثيين لم يكونوا سوى القمة الظاهرة من جبل الثلج الهائل من الأعداء، الذين اختلطوا إلى درجة لا تصدق مع الحلفاء، إلا أنهم وجدوا أنفسهم أخيراً مضطرين إلى الموت في سبيل الكرامة كخيار وحيد.

خطة كيري هي إعادة هندسة خطيرة للغاية للشرعية الدستورية في اليمن، لتصبح هذه الشرعية متطابقة تماما مع طموحات الحوثيين والمخلوع صالح، وإن قُدِّر لها أن تمضي فإن التحالف العربي يكون قد أنفق كل هذه الأموال والأسلحة والعتاد وهذا الاستنزاف في الرصيد المعنوي والسياسي والاستراتيجي، من أجل إسقاط الرئيس الذي منحهم شرعية التدخل في اليمن، وإسقاط نائبه الذي لا يزال يضفي الزخم على الأداء القتالي في الجبهات العسكرية المختلفة وبالأخص المحيطة بالعاصمة صنعاء.

يحتاج التحالف إلى إعادة ترميم مواقفه تجاه الأزمة اليمنية بعد أن أظهرت الإمارات على لسان وزير الدولة للشئون الخارجية أنور قرقاش ترحيباً بخطة السلام التي عرضها المبعوث الأممي على الطرف الانقلابي قبل أن يعرضها على السلطة الشرعية.

الوضع الخطير جدا لا يحتمل هذا القدر من المراوغات، والأهداف المضمرة، لدى الأطراف الأكثر تأثيراً بمجريات الأحداث في اليمن سواء كانت داخلية أو إقليمية أو دولية.

وعلى الأقل نحتاج إلى صراحة الوزير كيري الذي أعلن بوضوح في 25 آب/ أغسطس من مدينة جدة حرصه الصريح على "الأقلية" الطائفية التي بات يمثلها الحوثيون في اليمن، وتمكينها من مفاصل السلطة في الدولة اليمنية القادمة، وحينها كان بمعية وزير الخارجية السعودي عادل الجبير.

لم يكترث الانقلابيون لخطة كيري التي صممت لمصلحتهم وقرروا هذه المرة إطلاق آخر ما لديهم من صواريخ بعيدة المدى لاستهداف مكة المكرمة، هذا لا يعني سوى أن الحرب في اليمن لن تحسم بخطط كالتي يسوقها كيري، بل بوسيلة أخرى لا أعتقد أن طرفاً في اليمن يملكها ويتحكم بها أكثر من التحالف العربي.