الثورات الشعبية العربية في الخطاب الإعلامي الإيراني
بقلم/ د. محمد جميح
نشر منذ: 13 سنة و 7 أشهر
الثلاثاء 19 إبريل-نيسان 2011 12:48 ص

عودتنا الآلة الدعائية للخطاب الإعلامي الإيراني على تصوير موقف إيران ووكلائها من الثورات العربية بأنه موقف الداعم لهذه الثورات، على اعتبار أنها امتداد لثورة الخميني في طهران. يخرج «آية الله» علي خامنئي مؤيدا لثورة شباب مصر، معتبرا أنها إحدى بركات ثورة سلفه الإمام الخميني، على الرغم من رد المصريين عليه بأن ثورتهم ليست خمينية، وعلى الرغم من أن ثورة شباب مصر أقرب شبها باحتجاجات «الحركة الخضراء» التي قمعها نظام الآيات في إيران. «سيد المقاومة» في لبنان، صاحب الظهور المعد بعناية إعلامية فائقة، يخرج بدوره للإدلاء برأيه في «ثورات الشعوب العربية» التي يراها خطوة لتشكيل «الشرق الأوسط الإسلامي» على الطريقة الإيرانية طبعا. شخصيا أرى أن هذه الثورات سيكون لها أثر عميق بالإيجاب على الشعوب العربية، إذا ما قدر لها أن تستمر شعبية من دون أن يخطفها قطاع الطرق الكامنون في المنعطفات وخلف الهضاب. وأرى أن إيران ووكلاءها في لبنان واليمن وغيرهما من البلدان العربية هم الخاسرون من انتفاضة الشعوب الحرة تماما كخسارة الأنظمة المستبدة من هذه الثورات. والقول بخسارة إيران وربائبها من ثورات شعوب «ما بين الماءين» يبرره سبب بسيط، هو أن إيران لا تريد حرية الشعوب العربية، وإن ظهرت بمظهر من يريد تحرير هذه الشعوب من «أميركا وإسرائيل ومن الحكام العرب»؛ لأنها تسعى بكل جهد لتنصيب نفسها بديلا عن أميركا وإسرائيل والأنظمة الديكتاتورية في التسلط على مقدرات الشعوب العربية، كما هو حاصل اليوم في العراق. بلغة واضحة: تريد إيران زحزحة أميركا وإسرائيل، لا لتملك شعوب المنطقة حريتها، ولكن لتتحكم هي في شعوب المنطقة، التي كأنما كُتب عليها قدر التدخلات الأجنبية لهشاشة أوضاعها الداخلية. أما حزب إيران في لبنان فتأييده لثورات الشعوب العربية مجرد ركوب للموجة، وإلا فإن جوهر كيانه وفلسفة بقائه قائمان على أساس الاستعباد وليس الحرية، وهو الذي مارس بسلاحه «استعباد» اللبنانيين وقلب موازين المعادلة السياسية في بيروت، الأمر الذي أفقده ما كسبه من رصيد إبان مقارعة الإسرائيليين عام 2006. وأما الأتباع الجدد لإيران في اليمن، الذين بالطبع لا يحظون بالبريق الذي يحظى به «سيد المقاومة»، فهؤلاء الأتباع هم أصحاب نظرية متخلفة في الحكم، ترى أنهم أولى الناس بحكم الشعب الذي يسعون إلى تحريره من نظام الرئيس صالح ليستعبدوه. يقول الحوثيون إنهم يريدون تحرير اليمنيين من حكم «سنحان»، وهذا كلام حسن، لكن غير الحسن أنهم يسعون لتحرير اليمنيين من «سيد سنحان» ليدخلوهم في حكم «سيد ضحيان»، علاوة على أنهم امتداد لحكم الإمامة الذي سلب الشعب اليمني حريته وكرامته على مدار أكثر من ألف عام بـ«وصية إلهية» ليس للشعب فيها رأي ولا شورى، حسب ما ذهب إليه العلامتان بدر الدين الحوثي ومحمد عبد العظيم الحوثي. مثل هذه الاتجاهات يستحيل عقلا أن تؤيد حرية الشعوب إلا بالقدر الذي يخلص هذه الشعوب من «حكام ظلمة بطابع أسري» ليعيدها إلى «حكام ظلمة ببردة نبوية».

الخطاب الإعلامي الإيراني من «الضاحية» إلى «ضحيان» إذن غير معني وإن ذر الرماد في العيون بثورات الشعوب التواقة للانعتاق من الاستبداد، وإلا فلماذا غاب «سيد الضاحية» في لبنان - على سبيل المثال - عن «الحدث السوري» وهو الذي عودنا ألا يغيب لحظة عن المناسبات الثورية كلها؟ السيد غائب هذه الأيام، أربكه «الحدث السوري» إلى الدرجة التي جعلته يتوارى عن الأنظار ليترك لجوقته الإعلامية اتهام الشعب السوري الذي انتفض ضد الديكتاتورية والاستبداد بالعمالة لأميركا وإسرائيل، وهي – بالمناسبة - التهمة عينها التي تلقي بها الجوقة الإعلامية لـ«سيد ضحيان» في اليمن في وجه من يخالف توجهات سيدهم لـ«أرينة اليمن» على الطريقة النجادية. لماذا لم يطل «سيد الضاحية» مشيدا ببسالة الشعب السوري الذي يبدو أن ملامح ثورته قد بدأت تلوح في الأفق لتزيح ركام نصف قرن من «الاستبداد» المتذرع بذرائع «مكافحة الاستعمار» لبقائه في الحكم، وليس لتحرير البلاد؟ لماذا لم يطل علينا «سيد ضحيان» كذلك مباركا ثورة الشعب السوري الباسل كما حدث إبان ثورتي المصريين والتوانسة؟ لماذا صُنف التوانسة والمصريون والبحرينيون واليمنيون من بعدهم على أنهم «ثوار أحرار» على منهج «أبي الشهداء أبي عبد الله الحسين»، بينما أشقاؤهم في سورية مجموعة من «مثيري الشغب» المدعومين من «جهات أميركية وإسرائيلية» وربما أموية لإسقاط «قلب العروبة النابض»؟ ولماذا أيضا يكون «الحراك الشعبي» في مصر «ثورة» بينما هذا «الحراك الشعبي» عينه في سورية «فتنة»؟ أليست المعاناة في سورية هي المعاناة ذاتها في مصر وتونس؟ وهل يختلف النظام السوري عن النظامين الأمنيين المذكورين في شيء فيما يخص سجله في حقوق الإنسان؟ شخصيا لا أحمل موقفا من النظام في سورية، وأحسب له مزايا كثيرة، ليس هنا مجال حصرها، لكني أرى ان معظم إنجازاته السياسية تتلخص في أنه يجيد تسويق حالة الاستبداد التي تمر بها سورية على أنها ضرورة لتحرير الأرض، متغافلا عن حقيقة أن الشعوب التي تستعبدها وتذلها أنظمتها لا يمكن أن تحرر أراضيها المحتلة لسببين؛ الأول: أن الاستبداد يضعف (إلى أجل محدود) روح المقاومة لدى الشعوب، والسبب الثاني يتمثل في أن الأنظمة المستبدة غير جادة في دعوى تحرير الأرض؛ لأنها (وهي مفارقة عجيبة) تستمد شرعيتها من بقاء احتلال أراضيها، وهي الحقيقة المرة التي لا يريد البعض الاعتراف بها.

وعودة إلى نظرة الخطاب الإيراني للثورات العربية، فإن ازدواجية هذا الخطاب الممتد من «الضاحية» في لبنان إلى «ضحيان» في اليمن تجاه «الفعل الثوري الشعبي» في البلدان العربية بين «تأييد» الثورة في مصر، على سبيل المثال، و«تخوينها» في سورية، تبدو في غاية الغرابة.

مدهش هذا الخطاب، ومدهشة الفتاوى السياسية التي ترى أن عملا ما «واجب شرعي» في دولة والعمل ذاته «خروج على الشرع» في دولة أخرى.

ليست التساؤلات السابقة لإثارة الحساسيات الطائفية، ولا للسخرية من توجهات معينة بقدر ما هي محاولة لاستكناه خطاب سياسي يبطن خدمة «المشروع الإيراني» تحت شعار «مقاومة المشروع الإسرائيلي - الأميركي». التساؤلات أعلاه إذن محاولة لكشف حقيقة محاولة إيران ووكلائها تسييس الثورات الشعبية العربية لصالح سياساتها في تصدير الثورة الإيرانية إلى البلدان العربية مع ما تصدره إيران إلى هذه البلدان من منتجات صناعية وزراعية ولطم ونياحات.

* كاتب يمني مقيم في بريطانيا