|
بعد مرور مايربو على عام ونيف منذ إندلاع شرارة الإنتفاضة الشعبية والجماهيرية في العالم العربي ، .
فالمهمة التاريخية لها ( الإنتفاضة العربية ) تكمن -فقط -بشروعها بخلخلة بنية الأنظمة وتفكيك واقعه السياسي والثقافي بفكره وخياراته .لينجم عن ذلك :
١-جرفت وأخرجت للسطح مفاسد ، خروقات وخيانات الأنظمة والزعامات بشتى مسمياتها ،مجلجلة بعلل عقود مضت ، مافتئت تذكي سخطا شعبيا عارما لفداحتها ولعدم التحقق من إجتثاثها كليا .
2- أسقطت نظريات واطر ونخب تغيير نمطية ، ولم تعد بالضرورة مهيئة حاليا لإختزال وإستيعاب حالة الأمة او التعبير عنها .
3- أظهرت فروقا إجتماعية وإقتصادية مذهلة ، في شرائح ذات مستوى إنتاجي واحد ،وأوغرت صدور الكثير من ضحايا فوارق الدخل ، والإنتقام لأنفسهم (تحت وطأة الإحساس بالقهر ) من كل قوانين السلطة حيثما وجدت ،بإعتبارها قوانين فاسدة وغير عادلة .
إجمالا فمهمة الجماهير نجحت بمجرد إزالة رأس النظام الأول ، و الذي ماانفك يفسد قيام مشروع الدولة ،ويحيله مشروعا شخصيا ،جهويا في جمع الثروة ، منذ عقود خلت .
لكن بمجرد وصول الحالة العربية لهذي النقطة تحديدا ،وتوقفها في مفترق إنعدام الفكر المنوط بها إكمال المشهد وبلورة فكره في تكوين الدولة الحديثة .
هذا التوقف بدا ينحو سلبا وربما إنهيارا منطقيا لمنظومة الحكم برمتها نتيجة :
١- التهافت الحزبي والنخبوي (معارض) على قطف الثمر الفج ،ونتف غلة الإنتفاضة قبل الأوان .ليغدو الوريث والبديل السياسي الأحق والأوحد،وهذا قد لايعد حصادا ثوريا بقدر مايكن تصفية لطلائعه الشابة المتقدة . فالأحزاب تلك لم تعد مالكة ومحتكرة لحركة الجماهير ولم تعد ايضا صديقا حميما لغضبهم الطموح والجامح .
٢- الركون على السند الأجنبي او الغربي ،كشريك في المحصلة ،وكمانح وحيد (دولي وأممي) للشرعية . وهذا لايتسق مع مبدأ الأمة في الإطاحة بالارتهان للخارج ، وإعلان الثورة في الداخل أكثر مايعني فكاكا صريحا من رباط ذلك الإرتهان . بإعتباره الحضن الرؤوم المفسد للنظام العربي ، والمستفيد الأكبر من علاقة مجحفة بحق الأمة والمجتمع . ..
فحالة التناقض والتخبط في سبر مشهد لم يكتمل ،تعيق وتؤخر تفتق الوعي القومي الحر ،وتبعده عن ريادة وقيادة تاريخية مستحقة ،المنوط بها محاصرة فلول نظام الفساد ،وإكسابه الحق لزعامة الإنتفاضة الشعبية ،والتي لم تجد( زعامته تلك) لتحط رحالها عنده، وتنهي ثورتها (الغير منتهية) .فحالة إنعدام القيادة الثورية (عربيا ) يذكرني بمقولة فلاديمير لينين حين أجاب على تساؤل،إبان سقوط سلطة ونظام روسيا القيصرية .
تلك المقولة التاريخية جاءت في الإجتماع الشهير لقوى ثورية ولنخب تيارات وأحزاب سياسية أسهمت في إنجاز النصر العظيم، كان التساؤل آنذاك : هل يوجد حزب في روسيا كلها ، قادر على صهر تلك التيارات والتنظيمات في كيان( حزب) ثوري فاعل ،و قادر على قيادة الأمة الروسية بإيديولوجيا واحدة؟ .حينها أجاب لينين ( يوجد حزب كهذا ) ،قاصدا الحزب الشيوعي الروسي كمشروع موحد لتلك الفصائل والأحزاب آنذاك ..
وهنا نتسائل : هل الإنتفاضة العربية لن تغادر حالة التظاهر ؟اويقابلها بزوغ وعي تاريخي يشكلها ،كي تصل لمرحلة إمتلاك الإرادة الوطنية والقومية من اجل إحداث التغيير الحقيقي ؟.
زيادة على حالة العجز النخبوي العربي وحيرته في قراءة جزءا من عمقها البعيد . ولجوئه لإثارة حروب كلامية وإعلامية باهتة ،لإثبات الثورية والوطنية لذهنية عاجزة، ومريضة بالغوص اليومي في غمار معارك أنانية مقيته .كمعادل لملء وجدان الأمة بوقائع وإنتصارات لن تبدو ضحلة في الوقت الراهن (على الأقل).ستمكنها من إعتلاء قمته زورا ، وترغم صوته العميق والفذ بالتراجع والإنكفاء ،بيد إنه ماينفك يوخز ويعذب ذلك الضمير الكامن كل تلك المخرجات او الإفرازات المضطربة لا تعدو ان تكن وئدا محضا لتغيير الذات كليا، ،وإخمادا لأنفاس حرى تتصاعد في العمق ، بالتغني (بإستفاضة مهينة للذات ) بولادة إنتصارا ،مشوها ، يزين مظهره رداء أنيق مستورد لتمضي الأمة وفق وصاية أجنبية لن تكترث لمآلاتها الدامية . تقتادها عبر مسالك ودروب مريبة ،وليس ثمة ملمح ولوضئيل للتمييز بين مصير وآخر .
بوقع خطى وجلة ،متهالكة ، دلالة لفعل الإغراء الوحيد، للمضي خارج المألوف وخارج زمن اللا عودة . إنه الطريق ذاته ،طريق التخلي عن السيادة والتفريط بها ،والإستمراء في موالاة هراوة اليد الغليظة .
بدعوات ناكسة الرأس ، لحوارات تالية تحت ظلال تلك الهيمنة ،لن تكن كافية لإخراج الأمة من قاع الإقتتال الحتمي ،ولن تكن معنية بإنقاذ مشروعها المؤود ؟ وهل بات الرضوخ لولاءاته (الحوار) المسبقة (والغير وطنية) ،هل بات إيذانا وإعلانا بإنتهاء حقب القمع التسلط البغيض ؟
أم ان مهمة الحوار ومخرجاته ستغدو محصنة ومسيجة بمجرد التحاور والقبول بشراكة الآخر (ولو شكليا) ؟.
ومهما كانت الأجوبة تفاؤلا او تشاؤما، فإنها لن ترق لمستوى حرية الرؤية الوطنية في تمتين وتثبيت المشروع الوطني وبنفس الجرأة والطلاقة لنشدان التغيير عند البدء .فقد تبددت القضية الواحدة الموحدة للصفوف ،وحلت محلها مخاوف محدقة بضياع لن يستثني احدا .هذا الضياع سيغذي ويشبع ذهنية المتحاورين ،ويرسخ القناعة لديهم للإمساك بشيئ من الممكن وترك الكثير منه بإعتباره فدية ،و مستحيلا وفق إيحاءات القوى الحاكمة للحوار وتلك الفدية لن تكن هينة ! ولن تكن حصة او منصب ! بل هي تجييرا لمطالب الأمة ،وهي ايضاً تركا لبلدانهم ،في أسر معونات البقاء الرخيص .
في الجمعة 11 مايو 2012 07:18:58 م