أيُعقل أن يفرح اليمنيون بقصف وطنهم؟!
صلاح الدين الاسدي
صلاح الدين الاسدي

 

في يناير من عام 2014، عاشت اليمن لحظة تاريخية نادرة؛ فقد اختُتم مؤتمر الحوار الوطني وسط أجواء احتفالية عمت مختلف المحافظات، بدا الوطن حينها قاب قوسين أو أدنى من الدخول في عهدٍ جديد عبر دستور اتحادي صيغ بتوافق نادر بين مختلف القوى السياسية والمجتمعية، شاملاً المرأة والشباب، ومستجيبًا لأهم القضايا الوطنية بروح جامعة. كان المواطن اليمني يأمل بدولة اتحادية حديثة، ذات أقاليم وطنية، تحترم التنوع وتحفظ الكرامة، بينما كانت الدولة تشهد استقرارًا ملحوظًا على المستويات السياسية والاقتصادية والخدمية، وتنهض في مجالات الإعلام والبنية التحتية. بدا وكأن البلد، الذي عانى طويلًا، أخيرًا التقط أنفاسه.

 

لكن في الظلام، كانت هناك يدٌ خفية تعبث، وعيونٌ خارجية ترقب الفرصة للانقضاض على هذا الحلم الذي بدأ يتشكل، ففي خضم هذه الأجواء التفاؤلية، كانت المليشيات الحوثية – المتحالفة عقائديًا وسياسيًا مع إيران – تُعد العدة لاجتياح الحلم اليمني، فتم الكشف عن سفينتين إيرانيتين، "جيهان 1" و"جيهان 2"، محملتين بالأسلحة في عام 2012، ثم ضُبطت خليتان حوثيتان تتخابران مع عناصر إيرانية ضمن مهمة تجسسية صريحة، في مؤشرات واضحة على نوايا مبيتة.

 

وبالنظر إلى وضع الشارع اليمني آنذاك، فإن المرتبات كانت تُصرف بانتظام، والمدارس والجامعات والمعاهد تعج بالطلاب، والمساجد عامرة، والسيادة الوطنية مصانة، إلا أن مشروعًا إرهابيًا ولد في كهوف صعدة كان يتحين اللحظة لتقويض كل ذلك، بدأ بإشعال الفتنة في دماج، ثم في كتاف، حيث انطلقت شرارة الحرب الطائفية، ورغم تحذيرات العلماء حينها من فتنة كبرى قد تلتهم البلاد، لم تُؤخذ التحذيرات بالجدية الكافية.

 

ثم جاء اليوم المشؤوم: 21 سبتمبر 2014، حين دخلت المليشيا الحوثية صنعاء..عندها لم تسقط العاصمة فقط، بل سقطت هيبة الدولة، وسقطت معها المبادئ الجمهورية، لتبدأ حقبة من الانتهاكات لم يعرفها اليمن من قبل. اقتحمت المنازل، وصُورت غرف نوم الساسة، وانفجرت المساجد، وخُطف الصحفيون والناشطون، وطوردت الأحزاب السياسية، وفرضت الجماعة مشرفيها على كل وزارة ومؤسسة.

 

ولم تقف عند الداخل، بل تجاوزت الحدود في 12 مارس 2015، حين أجرت مناورة عسكرية على تخوم السعودية، بحضور عناصر إيرانية، في رسالة فجّة تقول إن اليمن أصبح ضمن الهلال الإيراني، وجزءًا من مشروع فارسي يتغلغل في جسد الأمة.

 

تحولت اليمن إلى ساحة حرب مفتوحة، وتلاشى الاستقرار، وانقطعت المرتبات، وسيطرت المليشيا على الموارد العامة من الجمارك إلى النفط، والاتصالات، والضرائب، والميناء، وحتى الزكاة، وأطلقت سوقًا سوداء لا تهدأ.. جندت الأطفال، وحرفت المناهج، وزرعت الألغام، وقصفت المدن، وأغرقت البلاد في أسوأ أزمة إنسانية شهدتها في تاريخها الحديث.

 

ومع كل ذلك، رفضت المليشيا كل فرص الحوار، ولم تستجب لمبادرات السلام، بل زادت تعنتًا كلما لاحت بارقة أمل..وعندما أعلنت الهدنة في 2022، طُلب منها الانخراط في حوار وطني شامل يُنهي النزاع ويخفف من كلفة الحرب، لكنها رفضت بإيعاز إيراني، وسرعان ما اتجهت نحو البحر لتهاجم الملاحة الدولية، تحت لافتة "نصرة فلسطين"، بينما لا علاقة حقيقية لتحركاتها بالقضية الفلسطينية، بقدر ما هي خضوع مطلق لأوامر إيرانية تخدم مصالح محور طهران - موسكو - بكين.

 

وها هي اليوم تُقحم اليمن في صراع جديد يتجاوز حدوده، وتجر عليه قصفًا دوليًا، من الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل، حرب جديدة توسعت رقعتها واشتدت وطأتها، والنتيجة واحدة: المزيد من الخراب والدمار.

 

أما إيران، التي تتبجح بـ"دعم المقاومة"، فقد خذلت غزة، وقتلت رئيس مكتب السياسي للمقاومة الفلسطينية في عقر دارها، كما خذلت بيروت من قبل، وسلّمت مناطق جنوب لبنان للعدو المحتل برسم الحدود والهدن طويلة الأمد، بل ولم تجرؤ على إطلاق "طماشة" واحدة نحو الأراضي المحتلة. بدلاً من ذلك، حولت اليمن إلى حقل تجارب وصندوق بريد للصراع، بينما تقف هي متفرجة على تدمير البلاد، غير عابئة بمصير شعب كامل.

 

فهل يُعقل بعد كل ذلك أن يفرح اليمني بقصف وطنه، حتى وإن كان من يضربه هو عدو عدوه؟! من ذا الذي يفرح برؤية بيوت جيرانه مهدمة على رؤوس ساكنيها، وأطفاله مرتعبين من هدير الطائرات؟! 

من يرضى أن يُهان وطنه حتى في خصوماته؟!

 

لا أحد! بل تتحمل المليشيات كل هذا الخراب والدمار التي جلبته من أصقاع العالم.

 

الفرح الحقيقي لليمني يكون عندما يرى بلده مستقلًا، آمنًا، مستقرًا، سيدًا على قراره، لا تابِعًا لمشاريع خارجية تعبث به وتستنزف دمه.. الفرح يكون عندما ينتهي هذا الانقلاب، ويعود اليمن لأهله، وتُستعاد الجمهورية المغدورة، وتُمحى آثار الكهنوت الملطخ بدماء الأبرياء.

 

أما السؤال الأهم الذي يجب أن يُطرح، فليس: هل يفرح اليمنيون بالقصف؟ بل: متى يتم القضاء على هذا المشروع الإيراني الخبيث الذي اختطف اليمن وجرّه من النور إلى الظلام، ومن الأمن إلى الخوف ومن الاستقرار الاقتصادي والخدمي إلى الفقر المدقع والموت من الجوع على الأرصفة؟!

 

ذاك هو السؤال الذي ينبغي أن يُسمع صداه في كل بيت، وأن تُبنى عليه كل الإجابات.

 

#الصورة لطفل يمني على ركام منزله الذي فجره الحوثيون

 
في الإثنين 07 إبريل-نيسان 2025 06:55:22 م

تجد هذا المقال في مأرب برس | موقع الأخبار الأول
https://marebpress.net
عنوان الرابط لهذا المقال هو:
https://marebpress.net/articles.php?id=47554