آخر الاخبار

تحدث عن نجاح كبير في توحيد القوات.. وزير الدفاع الفريق الداعري: هدفنا الأساسي هو صنعاء ولدينا خطط استراتيجية كاملة لاستخدام القوات قوات خاصة إسرائيلية تسللت متنكرة بزيّ الدفاع المدني لدخول غزة.. يكشف أمرها وتتعرض لضربة قاتلة «تيك توك» يكلف الذكاء الاصطناعي و40 ألف موظف للمراقبة ويزيل أكثر من 200 مليون محتوى الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يفرض عقوبات على لاتسيو وأتلتيكو بسبب عنصرية الجماهير إيران تصدر قرارا بتعيبن ابو باقر وصيا على حزب الله لإدارته وتسيير شؤونه الحوثيون وحروبهم السبب الرئيسي وراء انتشار أخطر الأمراض النفسيه في صفوف اليمنيين .. المبعوث الأممي من موسكو يطالب بالحفاظ على توافق مجلس الأمن بشأن اليمن حرب السودان.. هل اقتربت المعركة الفاصلة؟ تعرف علي سيناريوهات الإدارة الأمريكية القادمة في التعامل مع الحوثيين وأبرز الفروق بين قرارات ترامب وهاريس بعد الفوز دول خليجية تطالب أميركا بمنع إسرائيل من استهداف حقول النفط إلايرانية

في مقام الرثاء والإعذار
بقلم/ فهمي هويدي
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 12 يوماً
الخميس 29 أغسطس-آب 2013 04:57 م

هذه لحظة حزينة وبائسة في تاريخ العرب. أن يترقب الجميع ويرحبون بانطلاق طائرات حلف الناتو من قواعدها لتقصف دمشق أملا في إسقاط نظامها الوحشي. الأمر الذي يضعنا أمام جريمتين لا جريمة واحدة. جريمة إقدام الغرب على إسقاط نظام عربي، وجريمة حفاوة العالم العربي بتلك الخطوة. والثانية أخطر من الأولى، لأن عدوان الغرب ليس جديدا ولا يفاجئنا كثيرا، لكن الحفاوة العربية بالعدوان هي التي تصدمنا. ذلك أنها تكاد توحي لنا بأننا بصدد عرب من جنس آخر غير الذي نعرفه. عرب تشوهوا حتى صاروا كائنات أخرى غير التي قرأنا عنها في مؤلف ابن حجر الهيتمي «مبلغ الأدب في فخر العرب» وكتاب مرعي الحنبلي «مسبوك الذهب في فضل العرب».

لست في صدد اللوم والاتهام، ولكني في مقام الإعذار والرثاء لما آل إليه حال الأمة، والنقمة على بشاعة الاستبداد الذي أوصلنا إلى تلك الحالة، حتى أصبحت شعوبنا تفضل هوان الترحيب بالعدوان الغربي على عذاب ومذلة البقاء في ظل الحكم الوحشي. وصار خيارنا محصورا بين تعاستين. وعذابات السوريين من نوع خاص يفوق قدرة البشر على الاحتمال. وحين نلاحظ أن تلك العذابات التي بلغت حد الإبادة تدخل الآن عامها الثالث، فإن ذلك يصور لك فظاعة وقسوة الجحيم الذي عاش في ظله الشعب السوري خلال تلك الفترة.

 الظلم الذي استشرى وتوحش لم يدمر مجتمعاتنا فحسب، ولكنه شوه ضمائرنا أيضا حين سحق إنسانيتنا وداس على كبريائنا حتى صرنا نلتمس الخلاص على أيدي من يوالون أعداءنا ولا يتمنون الخير لنا، فاستبدلنا ذلا بذل.

 السوريون معذورون. صار أملهم في البقاء على قيد الحياة معلقا على غارات حلف الناتو. ورسائل المقاومين هناك ظلت تلح في دعوة واشنطن إلى التدخل أسوة بما حدث في العراق وأفغانستان. وفي الأخبار الأخيرة أن قيادة المقاومة سلمت حلف الناتو قائمة بالأهداف التي يتعين قصفها وتدميرها في سوريا. الإدارة الأمريكية ظلت تتمنع إلى أن استخدم نظام الأسد السلاح الكيماوي في «الغوطتين» وحينئذ أعلنت واشنطن أن ذلك السلاح يمثل خطا أحمر وأن صبرها قد نفد. قتل أكثر من مائة ألف سوري وتهجير أربعة ملايين وتدمير أهم معالم البلد، ذلك كله كان يمكن أن يمر، ولم يمثل في نظرهم تجاوزا للخط الأحمر.

 لأن الأقطار العربية أماتت السياسة وخاصمتها، فإن الحل السياسي للأزمة السورية صار أضحوكة، فلا نظام دمشق قبل به ولا لجنة الجامعة العربية كانت جادة فيه. من ثم فإن المراهنة الحقيقية ظلت محصورة في التدخل الغربي إما بتوفير السلاح أو باستخدامه. الأخطر من ذلك أن الشعوب العربية انصاعت وسارت في الركب، تحولت بين متفرج على ما يجري ومهلل له. هذه الشعوب التي كانت تخرج غاضبة وهادرة في الستينيات معلنة الرفض والتحدي للوصاية والتآمر الغربي، تحولت إلى قطعان من الحملان المستكينة والوادعة. كنا في الماضي نتحدث عن أنظمة مهزومة وشعوب حية. لكننا اكتشفنا في نهاية المطاف أننا صرنا بإزاء أمة مهزومة، سكتت على ما يجري في فلسطين ولم يعد يستفزها التوحش الإسرائيلي والتغول الاستيطاني ولا اجتياح قطاع غزة إلى أن بات التنسيق الأمني ضد المقاومة بين رام الله وتل أبيب من قبيل التعاون مع الدول «الصديقة». قصم ظهر السودان بالانفصال، ولم تتوقف مساعي تمزيقه، وظل العالم العربي ساكنا يتفرج. جرى احتلال العراق وتدميره ولم نغادر مقاعد المتفرجين. عربدت طائرات «درون» (التي تعمل دون طيار) في سماء اليمن واستباحت فضاءها الذي وزعت فيه الموت بغير حساب، ولم يغضب ذلك لا حكومة اليمن ولا أمة العرب. وبعدما انتشرت القواعد العسكرية في ربوع العالم العربي، وصارت مطارات العرب وبحارهم في خدمة الأهداف والخطط العسكرية الأمريكية، فقد صارت الإجابة حاضرة وبليغة على سؤال نزار قباني في قصيدته الشهيرة: متى يعلنون وفاة العرب؟ تحدث عبدالرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد عن التدمير الذي يحدثه الظلم في حياة المجتمعات، فيشيع بين الناس «الخصال الملعونة» ويدفعهم إلى «التسفل»، وذلك نتاج طبيعي لسلوك المستبدين الذي يطيح بالقيم النبيلة ويقيم بدلا منها نموذجا للبطش والفساد. ومن هذه الزاوية يقدم لنا الكواكبي تفسيرا للخنوع والانبطاح الذي نشهده في العالم العربي. لكنني لا أستطيع أن أتجاهل في هذا السياق الأثر الذي أحدثه غياب مصر عن الساحة العربية وتقزيم دورها خلال العقود الأربعة الماضية. وهو ما حول العالم العربي إلى جسد بلا رأس وسفينة بلا ربان، الأمر الذي أسهم بقسط كبير فيما وصلنا إليه الآن من تيه وانكسار ــ والله أعلم.