لماذا نختلف مع الرئيس؟!
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 17 سنة و 3 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 07 أغسطس-آب 2007 03:44 م

جمعني لقاء عابر الأسبوع الماضي عبر شبكة الإنترنت مع الصديق العزيز عبدالله الحضرمي رئيس تحرير صحيفة الميثاق الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام، فدعاني للكتابة في "الميثاق" قائلا: لقد قرأت لك الأسبوع الماضي مقالا أختلف معك تماما في كل ما ورد فيه ولكن لا يسعني إلا أن أعبر لك عن أعجابي بأسلوبك، وادعوك للكتابة معنا في أي موضوع تشاء. لم أتردد في الإجابة على الزميل الحضرمي بأن المشكلة ليست أن أكتب في الميثاق أو لا أكتب ولكن المشكلة هي هل يمكن أن تنشر الميثاق ما أكتب أم لا؟ فقطع الزميل الحضرمي تساؤلي بقوله عليك أن تجرب قبل أن تحكم, وفعلا جربت ونشرت الميثاق هذا المقال.

وفي الحوار الذي استغرق أقل من عشر دقائق، لم يكن يبدو على الزميل الحضرمي أنه يسعى لتعجيزي بمثل هذه الدعوة، ولم يفاجأ بأني أبديت استعدادي، رغم أني سبق أن أبلغته من قبل أني لا أفضل الكتابة للصحف الحزبية سواء كانت تابعة للحزب الحاكم أو لأحزاب المعارضة، فالمكان الطبيعي للكاتب المستقل هو الصحف الحكومية التي تحمل أسماء أثيرة على قلوبنا من بينها " الثورة" و " الجمهورية" و " 26 سبتمبر" ولكن يبدو أن القائمين على هذه الصحف لا يدركون أن صحفهم تابعة للشعب، وليس للحزب الحاكم الذي له صحفه الناطقة باسمه رسميا.

صحيفة " الجمهورية " على سبيل المثال نشرت الشهر الماضي لأحد كتابها مقالا يعلق فيه على أراء لكاتب هذه السطور أدلى بها لقناة الحرة الأميركية، وجاء في تعليق الكاتب " لقد أثبت المدعو منير الماوري أنه مجرد بوق لأسياده، وأنه لا يختلف عن راقصة التعري في النوادي الليلية، وكما تبتذل الراقصات بأجسادهن يبتذل منير الماوري وأمثاله بأفكاره القذرة وثقافته المنحطة".

هذه الألفاظ يعاقب عليها القانون إذا ما لوحق كاتبها قضائيا ولكن الأسوأ من كل ذلك هو نشرها في صحيفة ناطقة باسم الشعب وتحمل اسم " الجمهورية". وبعض هؤلاء الكتاب يظنون أنهم يدافعون عن الأخ رئيس الجمهورية بتوجيه الشتائم لمن يعتقدون أنه يتطاول على الأخ الرئيس غير مدركين أن "المدعو منير الماوري" لا يستخدم ألفاظا نابية ولا يشتم أحدا، ومهما كانت انتقاداته قاسية وموجعة فإن ألفاظه على الأقل مؤدبة ولا تخرج عن نطاق الخلاف السياسي المكفول في الدستور. والأمر الآخر الذي لا يدركه الشتامون هو أننا لا نختلف مع الأخ الرئيس على الصعيد الإنساني أو الشخصي وإنما نختلف مع سياسات عامة قد لا يتحمل مسؤوليتها الرئيس مباشرة ولكننا نحمله المسؤولية للأسباب التالية:

أولا: الرئيس هو الشخص الوحيد الذي نعتقد أنه قادر حاليا على تحقيق إصلاحات جذرية في البلاد تضمن الاستقرار على المدى الطويل بأقل قدر من الخسائر، ولكن للاسف وجدناه يخوض معركة الإصلاح بذخيرة فاسدة لا هم لأصحابها سوى الإثراء الشخصي على حساب مستقبل الأجيال.

ثانيا: مازال الرئيس يحيط نفسه بمستشارين يتسمون بالضعف فيقولون له في معظم الأحيان ما يحب أن يسمع وليس ما يجب أن يسمع.

ثالثا: الرئيس يراعي المشاعر كثيرا، ويراضي هذا وذاك، ولم يتخذ بعد قرارا صريحا واضحا بتفعيل القضاء لقصف الرؤوس الفاسدة وإنقاذ المال العام من ناهبيه وأراضي الدولة من مغتصبيها.

رابعا: الرئيس ينهك نفسه بتفاصيل التفاصيل ويكبل طاقته بصلاحيات لا حدود لها، وكان بإمكانه أن يرحم نفسه بتخويل جزء من صلاحياته لمؤسسات تخوض في تلك التفاصيل بصورة تتعود فيها البلاد على حل مشكلاتها بعيدا عن الإفراط في المركزية، أو الإعتماد على التوجيهات التي يتم الإلتفاف عليها.

خامسا: الرئيس يعين كبار المسؤولين بناء على مشورات أهل الثقة لا أهل الكفاءة، وبالتالي فهو مسؤول عن أخطاء كل هؤلاء المسؤولين، فعندما تنطفئ الكهرباء في " حارتنا" لن ألوم وزير الكهرباء بل ألوم من عينه في منصبه، ولن ألوم رئيس الوزراء بل سألوم من أختاره لشغر المنصب.

سادسا: أنا كمواطن لا يهمني أن يكون رئيس الوزراء من الضالع أو من حضرموت أو من الجوف أو مأرب، بل يسعدني أن أرى رئيس وزراء من سنحان إذا ما استطاع أن يوفر لي الخدمات الضرورية والحياة الطبيعية، والماء النقي والطاقة الشمسية. ولا يهمني أن أقرأ مقالا لرئيس الوزراء يمدح فيه الرئيس بل يهمني أن يقوم رئيس الوزراء بعمله في توفير حاجات المواطن.

سابعا: ثوابت الرئيس هي الوحدة، والديمقراطية، والدستور، والنظام الجمهوري، ولكن ثوابتي كمواطن هي " الماء والكهرباء والخبز والفول والسمكة..."، ورجائي هو أن يدرك المحيطون بالرئيس أن المواطن عندما يفتقد الخدمات الأساسية والمعاش الكافي للإنفاق على أسرته فلا لوم عليه إن كفر بالثوابت مجتمعة بما فيها الوحدة والديمقراطية والجمهورية والدستور، لأنه لن يطعم أولاده كيلو جمهورية ولا رطل ديمقراطية ولا حتى ساندويتش دستور، فهذه ثوابت لا مكان لها في قاموس المواطن المتعب.

وبما أن المهمشين والفاشلين والعاجزين لا يستحقون حتى مجرد انتقادنا لهم فما علينا إلا أن نوجه النقد لصاحب القرار الأول القادر ليس على تغيير هذه السياسات فحسب بل تغيير أصحابها. وبقدر إدراكنا أن مراكز القوى في البلاد لها تأثير كبير في كثير من السياسات الخاطئة فإن أكبر مركز قوة يمكن الإعتماد عليه لمواجهة مراكز القوى، هو المواطن الذي وجدت الدولة أصلا من أجله.

ويبقى القول أن لا خلاف بيننا وبين الوطن كأرض وشعب ودولة وسيادة ولكن خلافنا الحقيقي هو مع السياسات التي نعتقد أنها خاطئة، ونأمل أن يتم تصحيحها قبل فوات الأوان.

* صحيفة الميثاق