التعيين السياسي لنظام صالح أخفى العقليات القادرة على إدارة الأمور!
بقلم/ سامي الكاف
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 12 يوماً
الأربعاء 01 أغسطس-آب 2012 11:02 م

ثمة حقيقة تقول أن الرياضة في اليمن بدأت في العام 1902م في عدن عندما تم تأسيس نادي التنس العدني، وبعد ذلك بسنوات بدأت ممارسة ألعاب أخرى تدريجياً وعلى (فترات زمنية) متباعدة على الرغم من أن جنوب اليمن كان يقع تحت الاحتلال البريطاني، لكن ممارسة الرياضة كان لها طابعها الخاص المُحفّز خاصة لعبة كرة القدم بحيث شهد الجمهور تنافساً أفرز عديد مواهب كانت و ما زالت تُحظى بالإشادة لتفردها و روعتها خصوصاً في لعبة كرة القدم.

غير أن الرياضة في عدن وبعد الاستقلال في العام 1967م بدأت تأخذ منحنى أخر؛ إذ راحت تنتشر الرياضة في عموم عدن بشكل رسمي حيث بدأ (تنظيم) المسابقات الرسمية رويداً رويداً وكانت لعبة كرة القدم في الواجهة بحكم شعبيتها الجارفة تطغي على بقية الألعاب؛ وفي السبعينات والثمانينات انتظمت المسابقات في كثير من الألعاب بما في ذلك بروز (الرياضة النسوية) في عدة ألعاب حتى على مستوى الفئات العمرية، وانتشرت ممارسة الرياضة على مستوى المدارس التي شهدت هي الأخرى مسابقات منتظمة بشكل رائع، فبرزت في نهاية مطاف هذه (الحركة) النشطة مواهب لا تعد ولا تحصى في مختلف الفرق، وشهدنا تكوين منتخبات وطنية شكلت نداً قوياً للنظراء في المشاركات الخارجية؛ وكان مسرح الأحداث لا يكذب أبداً فقد كان ملعب الحبيشي - مثلاً كحاضن للعبة كرة القدم - في معظم المباريات يمتلئ بالجمهور عن بكرة أبيه لدرجة أن النملة لا تجد لها متسعاً فيه.

 لنتذكر أن الرياضة في عدن استمرت بعد العام 1990م في توهجها قياساً بما هو مُتاح لها، لكن ذلك في الواقع كان (حصاداً) لفترة سابقة وهو ما لم يستمر إلا لبضعة سنوات إثر التغير الحاصل في (تركيبة) الحياة العدنية على مختلف الصُعد والمستويات بحيث انعكس ذلك تلقائياً على الأداء الرياضي سلباً، وبالتالي (عزوف) الجماهير عن ارتياد الملاعب بذلك (الشغف) المعهود كدليل شاهد على ما حدث، وشهدنا اندثار ألعاب بل وموت حاجة إسمها رياضة نسوية على الرغم من المحاولات الخجولة الآن لإحيائها من جديد.

حسناً.. لا يمكن الحديث الآن عن تدهور رياضة عدن و مآلها؛ و كيفية إعادة الروح إليها، (بمعزلٍ) عن الوضع العام للبلد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً؛ فكل ما حدث في هذه المجالات أثرّ بقدرٍ ملحوظ في السياق العام. 

يخطئ من يظن أن اليمن على مر تاريخه - بجنوبه وشماله- كان مستقراً ؛ و مع ذلك توفرت (بيئة) سياسية في جنوب اليمن بشكلٍ ما، ساعدت على إفراز حركة رياضية نشطة وفاعلة مجتمعياً، إذ كان هناك (اهتمام) حقيقي و (إدراك) واع لأهمية ممارسة الرياضة سواء في الأندية أو في المدارس بكافة مراحلها كجزء مهم في تركيبة المجتمع المدني، بل ولا غنى عنه، على الرغم من الشح في الموارد المالية والفقر الواضح في البنية التحتية، وبعد العام 1994م توفرت بيئة أخرى مغايرة تماماً، بدأ الناس في عدن بتلمسها من تلقاء أنفسهم و(العيش) معها وفيها، انعكاساً للبيئة السياسية التي فرضها نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح التي كانت تقوم على (ثقافة) التعامل مع كل ما هو (غير صالح) وفرضه مجتمعياً على أساس انه (صالح) ليستمر هو ومن معه في الحكم وإدارة البلد وفق قانون أسماك القرش، ومن يُعارض ذلك، أو يبدي رفضاً، يتم جرّه إلى ذات المربع غير الصالح ليبدو جزءًا من المنظومة ذاتها، ومن يأبى ذلك - فرج بن غانم أنموذجاً بارزاً وغيره كثيرون- يتم التعامل معهم بطرق مختلفة (أنعمها) التهميش، ولذلك تم (أكل) حقوق الناس بفعل الفساد المُنظّم اللامتناهي، بل وتم (امتهان) كرامتهم فضلاً عن أحداث دموية مختلفة!، فلا عجب أن ثار الشعب وقدم دماء وأرواح.

ولذلك - إزاء ثقافة نافرة كهذه تحتم على الجميع التعامل معها- شهدنا كيف صارت الأندية والاتحادات في عدن (مساحة للصراعات) السياسية وتجاذباتها المُدمرة على أهل الرياضة بل وعلى ممارسة الرياضة ذاتها بحيث اختفى (الدافع الحقيقي) للأسر في عدن للدفع بأبنائها لممارسة الرياضة من أجل الرياضة انطلاقاً من أهميتها في حياتهم؛ رافق ذلك بسط مهول وفاجع لكل المساحات الترابية في كافة أحياء و شوارع و أزقة عدن التي كانت مساحة ومتنفساً لممارسة الرياضة، وهذا البسط كـ(سلوك اجتماعي) جديد غير مسبوق في حياة عدن وأهلها إنما يعكسُ (عقلية) ذلك السياسي الجاهل التي لا تضع أدنى اهتمام لمعنى و أهمية الرياضة وممارستها كما يجب و ينبغي، فكانت النتيجة تناسباً طردياً مع هذه العقلية.

ولأن المناخ السياسي هكذا وأثره السلبي الصادم اجتماعياً وثقافياً تفشى على نحو لافت، تغير الوضع من حالٍ إلى ضدٍ، فكان من الطبيعي وفق ذلك بروز (شخصيات) هلامية إلى واجهة مشهد القرار الرياضي في عدن تتناسب و العقلية السياسية القاتلة لأهمية الرياضة في مجتمع مدني وجد نفسه أخيراً يلهثُ وراء أشياء أخرى ضرورية في حياته الاجتماعية/ الاقتصادية ليس من بينها الرياضة وقد بات مفهومها الجديد يستند إلى : "الرياضة لا فائدة منها"، أو أسوأها: "الرياضة حرام".

كانت البيئة السياسية بعد العام 1994م (مُنتجة) على نحو جلي لشخصيات هلامية مؤهلة للعمل على قتل الرغبة الحقيقية في ممارسة الرياضة انطلاقاً من أهميتها في تركيبة المجتمع المدني على الرغم من عدم استسلام كثير من الشخصيات العدنية الواعية التي حاولت قدر استطاعتها فعل ما بوسعها فعله، لكنه كان أمراً جارفاً، فـ(صناعة القرار) الرياضي في وزارة الشباب والرياضة والتعيين السياسي لمعظم قيادتها الفوقية والوسطية وحتى الدنيوية ارتبطت مباشرة بالعقلية السياسية ذاتها التي كان يزرعها نظام علي عبدالله صالح في الحكم، فاختفت الأسس والمعايير في (اختيار) الرجل المناسب في المكان المناسب وفقاً للمؤهل والكفاءة والقدرة والخبرة، وبالتالي اختفاء العقليات القادرة على إدارة الأمور وفق متطلبات (العصر) الحديث والمتغيرات التي يشهدها العالم من احتراف واستثمار وتسويق وقبل ذلك وفق خصوصيات المجتمع العدني واليمني بالضرورة؛ ولأن الأمر كذلك بكل أسف شهدنا اختفاء (الأخلاق) الشريفة في ممارسة الرياضة ذاتها، بل انهارت المنظومة الأخلاقية الشريفة التي هي الأصل في ممارسة الرياضة قبل أهميتها كحاجة (ضرورية) و(ماسة) في تركيبة المجتمع أي مجتمع كان وليس المجتمع العدني وحسب، وكان من يُنادي بتطبيق اللوائح والتشريعات المنظمة للعمل الشبابي والرياضي يبدو ناشزاً بل و تجد من يتصدى له قائلاً بصوت هازئ: "مشّي حالك"؛ في حين برز ما هو من أخطر من ذلك تماماً إذ ظهرت شخصيات تُبرّر ما يحدث كي تعيش.

لنتذكر كانت الرياضة في عدن (العنوان العريض) لهذه المدينة/المدنية، وكان من يسلك طريقاً مغايراً يظهر أشبه بقطعة (فلين) سرعان ما تطفو إلى سطح الماء الدال على هذه المدنية/الثقافة/الحياة، فهو هنا مجرد (منبوذ).

لكن الناظر الآن إلى ما يحدث في كل ما يتصل بالحركة الشبابية والرياضية في عدن - كجزء لا يتجزأ من المشهد السياسي الاجتماعي العام- يضرب أخماساً في أسداس للمآل الذي بات عليه الحال، إذ نجد شريحة من المفترض أنها بلغت من العلم، والثقافة، مبلغاً رفيعاً، تتصدى للدفاع عن هذه السلوكيات النافرة بوصفها (طريقة جديدة) للعيش (الفهلوي)!، إذ نجدها تسوّق جملة من المبررات الناعمة لكي يبدو الأمر قابلاً للتعاطي معه، بل نراها لبست ثوباً جديداً يدل على (عدم احترام) تلك القيم التي (عُرفوا) بها من قبل!، وحتى على مستوى الأندية - التلال مثالاً بحكم عمادته التاريخية- وجدنا من يمتطي (صهوة) المبررات المخملية للتعاطي مع وجود (غير شرعي) لعارف الزوكا وحافظ معياد ومن معهما! في العام 2009م لإدارة هذا النادي؛ بل و(التصدي) بجرأة لكل تلك المواقف (الحقيقية) الرافضة لما يحدث على أساس أنها (غير واقعية).

وهكذا تواصلت المواقف المخملية في حياة الرياضة والرياضيين في عدن على نحو تراجيدي مستفز وكانت نتائج الانتخابات الهزلية التي أقامتها وزارة الشباب والرياضة أخيراً غير شرعية لأنها رمت باللوائح المنظمة لها عرض الحائط فلا هي قامت بواجبها المفترض طبقاً للقوانين ولا استطاعت إحالة التقارير الإدارية والمالية والفنية لهذه الأندية إلى أجهزة الرقابة والتفتيش لمراجعتها على الرغم من الفساد المهول الذي نخر في جسد الأندية العدنية كنتيجة طبيعية للبيئة النافرة المُشار إليها سالف الأسطر، بل وعجزت وزارة الشباب والرياضة عبر لجنتها العامة للانتخابات عن إقامة انتخابات أندية التلال وشمسان والروضة واتخاذ طريق الصمت في انتخابات نادي وحدة عدن رغم كشفنا للتلاعب في إقامتها بما هو مُخالف للوائح والقوانين المُنظمة لها في تحد صارخ لتطبيق سياسة صالح في الحكم وإدارة البلد. 

لا يمكن الحديث عن (معالجة) لرياضة عدن و إعادة (الروح) إليها دون وجود إرادة سياسية تعطي الأمر حقه من الاهتمام المفترض؛ صحيح الآن توفرت بنية تحتية بفعل استضافة عدن لبطولة خليجي 20 لكرة القدم 2010م إذ شهدت عدن طفرة نوعية بإعادة تشييد ملاعبها وتعشيبها صناعياً، وهو أمر جعل نقاداً ومتابعين يتوقعون حدوث (حراك) فاعل في سماء اللعبة يتوافق وهذه الطفرة النوعية في البنية التحتية، لكن النتائج ظلت على حالها بل و(تراجعت) بشكل أكد بأن الحال ظل على ما هو عليه؛ فالعقلية ذاتها لم تتغير، فزيارة واحدة لعدد من هذه الملاعب تكفي لنعرف أن (وضعها) في مهب الريح، إذ يمكن وضع اليد على موضع القلب قلقاً على ما وصلت إليه، فالأرضيات في كثير منها لم تعد كما كانت والمقاعد في بعضها تم نزعها من مكانها كما يفعل طبيب أسنان عندما ينزع سناً أو ضرساً مع الفارق في النتيجة فطبيب الأسنان يقوم بعمله بهدف المحافظة على ما تبقى من أسنان في فم مريضه في حين تبدو العملية في هذه الملاعب (تخريبية) بشكل مستفز؛ الأخطر هو أن هذه الملاعب كبنية تحتية رائعة كلفت مليارات الريالات ما زالت بلا (موازنات تشغيلية) ولا حتى (موازنات للصيانة) كي لا تخرج عن الجاهزية المفترضة واختيار مسئولييها أصلاً يتم وفق الثقافة النافرة ذاتها والمُشار إليها بعاليه.

لقائل أن يقول أن عجلة التغيير بدأت بانتخاب رئيس جديد لليمن عبدربه منصور هادي طبقاً للمبادرة الخليجية؛ غير أن الحقائق لم تتغير بعد على أرض الواقع، بل و ليس هناك ما يدل على وجود مؤشرات حقيقية توحي بذلك.

يكفي النظر إلى ملعب الحبيشي كأهم معلم من معالم عدن الرياضية كمؤشر سلبي فاضح، فهذا المعلم صار (خرابة) لا تسكنها إلا الغربان بل وحلّقت فوقه النسور الجائعة لالتهامه بغية (محوه) من على خارطة الوجود وكأنه لم يكن(!) 

 إنّ أهل عدن ينظرون إلى الحبيشي ليس بمثابة ملعب وحسب؛ بل ينظرون إليه كمعلم دل و يدل على (تاريخ) مدينة و (روح) أمة سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وفنياً وشبابياً قبل كونه رياضياً؛ غير أن واقع الحال اليوم (صادم) مع سبق الإصرار والترصد.

الأصل في ممارسة الرياضة هو تحقيق الانتصارات؛ و(النجاح) و(المواصلة) في تحقيق الانتصارات هما حلم ورغبة الكثيرين. ولكن (القليل) هم من يملكون الموهبة، والدوافع، والمثابرة.

حسناً.. لنتذكر أن المال وحده لا يفعل ذلك، ففي الأخير ثمة أشياء كثيرة ينبغي لها أن تتوفر، صحيح المال مهم؛ ولكنه ليس كل شيء.

ولكن قبل ذلك ينبغي أن تتوفر إرادة سياسية عليا (حاسمة) و (قادرة) بشكل فاعل على فرض بيئة مناسبة لممارسة الرياضة بوصفها ضرورة مهمة في حياة المجتمع المدني - عدن وغيرها- بعيداً عن الصراعات السياسية وتجاذباتها المُدمرة.

إنّ توفر ذلك أمر من شأنه أن يساعد بشكل مباشر على ظهور شخصيات مقتدرة قادرة - عن جدارة واستحقاق- على إدارة العمل الشبابي والرياضي كما ينبغي طبقاً للتشريعات واللوائح التي تضع الجميع سواسية تحت طائلة القانون. عندها - كتداعيات لتوفر الإرادة السياسية الحاسمة- سنرى أن (النجاحات) ستبدأ من النادي، وسيتعين لها أن تستمر مع اللعب، وستكتمل مع اللاعبين في كل الفرق وعلى مختلف المستويات بوصف ممارسة الرياضة ضرورة لازمة في حياة المجتمع المدني.

 ولكي تعود الروح إلى أندية عدن - وبقية المدن بالضرورة- ينبغي القول أنه ثمة حاجة إلى أندية لديها (مشاريع كبيرة) قادرة على تحقيقها من خلال (التخطيط) المستنير، وعلى المدى الطويل، و تكون بالتالي قدوة لبقية الأندية.

لا بد من وجود الإداريين الذين لديهم (أفكار) واضحة ومعرفة اختيار الموظفين الأكثر قيمة، وضرورة تهيئة (بيئة) مناسبة للعمل والتعايش، حيث يتعلمون ويشعرون بتحقيق أنفسهم. أندية تساعد على النمو وتوفّر (الاحترام) والصداقة. و(مدراء) يتمتعون بالحماس والإيجابية والطاقة. وقبل ذلك أندية تعرف الحكم على (جودة) العمل بصرف النظر عن نتيجة المباريات. ينبغي على المدراء (احترام) الموظفين دون فقدان السلطة. أشخاص (يعرفون) إيقاظ جميع الموارد البشرية، وحتى تلك النائمة منها وتوظيفها بالشكل الصحيح.

سيتعين على الأندية - كما في الوزارة والاتحادات- (اختيار) أنسب الموظفين والتأكد من أن كل واحد يعمل على أفضل وجه، بحيث يجب أن يثبت دائماً: التماسك، والتوازن، والإنصاف؛ لكن كل ذلك، وكل ما تم ذكره، لن يبدأ إلاّ من فوق، من أعلى منصب في البلد وبالآلية المُشار إليها بعاليه.