اول دولة عربية تعلن عن تطوير 8 منظومات متكاملة لصناعة الطيران مركز الملك سلمان للإغاثة يقدّم مساعدات غذائية في الضالع حادث مروري مروع في المهرة يخلف 11 ضحية إعادة فتح طريق مطار عدن بعد سنوات من الإغلاق هذا ما سيحدث في 2040.. ماسك يبشر بخبر مخيف! رسالة من رئيس "فيفا" للأهلي المصري بعد وصوله إلى ما قبل نهائي كأس القارات للأندية قوات الشرعية تسحق محاولة تسلل حوثية غربي تعز الشرعية تطلب دعماً دولياً لاستعادة السيطرة على الشواطئ اليمنية توجيه رئاسي لسلطات مأرب بشأن المواقع الأثرية في المحافظة السعودية تدعو إلى اجتماع “عربي إسلامي” قريب وتكشف الهدف منه
! للأسف الشديد يخلط الكثيرون في بلادنا بين الديمقراطية والفلتان، وغالباً ما يفهمون الديمقراطية على أنها صنو الحرية الفالتة من عقالها، وهذا يعني أن البلدان الديمقراطية حسب هذا الفهم القاصر تتمتع بقدر أكبر من الحرية من البلدان غير الديمقراطية أو الديكتاتورية كالدول العربية وغيرها من بلدان العالم الثالث.
وهذا كما سنرى لاحقاً غير صحيح بالمطلق. ولو طبقنا هذا التقييم المضحك للديمقراطية على بلادنا لاستنتجنا أن العكس صحيح، وأن العالم العربي هو الأكثر ديمقراطية في العالم أجمع، وأن البلدان المصنفة ديمقراطياً كالدول الغربية، تحتاج لعقود وعقود كي تلحق بنا في المجال الديمقراطي، حسب النظرة والتجربة العربية للديمقراطية.
يغيب عن بال البعض أن الديمقراطية هي أكثر نظام عبر التاريخ مكبل بالقوانين والتشريعات ويعتمد على تطبيق القانون والدساتير والعمل والالتزام بها حرفياً. لا عجب إذاً أن أحدهم وصف النظام الديمقراطي بأن له أسناناً حادة جداً. وبالتالي ليس صحيحاً أن الديمقراطية نظام حر والديكتاتورية نظام صارم. قد يكون العكس صحيحاً في أحيان كثيرة. ولو نظرنا إلى الحياة في العالم العربي مثلاً وبقية البلدان المتخلفة لوجدنا أنها الأكثر تسامحاً ومرونة وتسيباً وميوعة وفلتاناً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً. لماذا؟ لأنها تدوس القوانين بأرجلها، ويساعدها في ذلك أنظمة عبثية لا يهمها من السلطة سوى القمع والنهب والسلب للحفاظ على مصالحها الضيقة، وبالتالي لا مانع لديها أبداً لو انهار المجتمع وساد الغش والنصب والاحتيال والسرقة والتسيب والإهمال والفساد والإفساد في كل مجالات الحياة كما هو حاصل في العديد من دولنا الفاشلة. لا تنسوا أن القمع الذي تمارسه الأنظمة الديكتاتورية في بلادنا ليس من أجل حماية القانون والدستور ومصالح الشعب والمجتمع مطلقاً، بل تمارس القمع والقهر للحفاظ على أنظمتها ومصالحها الخاصة، لأنها في واقع الأمر تعتبر البلدان التي تحكمها عبارة عن مزارع خاصة، وليست دولاً، لهذا فهي تشجع الناس على انتهاك كل القوانين التي لا تؤثر على قبضة السلطة الحاكمة.
وقد كان الكاتب السوري الراحل محمد الماغوط على حق عندما قال إن الدستور أكله الحمار، أي أن لا دستور ولا قوانين في الغابات العربية التي يسمونها جمهوريات وغير جمهوريات. ومن المعلوم أن لا أحد يتحدث عن الدستور في بلادنا أو يعيره أي اهتمام إلا عندما يريد هذا الحاكم أن يعدله لتمديد فترة حكمه أو لتمرير بعض الصفقات المشبوهة أو لتزكية حكام لا يمكن للدستور أن يسمح لهم أصلاً بالوصول إلى السلطة.
وحتى شعوبنا لا تعرف أي شيء عن دساتيرها ولم تقرأها، وهي تذهب إلى صناديق الاقتراع للتصويت على هذا الدستور أو ذاك دون أن تعرف محتواه، لأن الحياة بكل جوانبها السياسية والاجتماعية والاقتصادية تسير أصلاً بعيداً عن القوانين والدساتير. وبهذا المعنى، فإن بلادنا بالمفهوم العربي للديمقراطية هي الأكثر «ديمقراطية» في العالم، وتتفوق على الشرق والغرب في التسيب والحرية الفالتة من عقالها.
يخلط الكثيرون في بلادنا بين الديمقراطية والفلتان، وغالباً ما يفهمون الديمقراطية على أنها صنو الحرية الفالتة من عقالها، وهذا يعني أن البلدان الديمقراطية حسب هذا الفهم القاصر تتمتع بقدر أكبر من الحرية من البلدان غير الديمقراطية ولو عاينت الحريات التي يمارسها العربي في بلاده بالقيود والضوابط التي يخضع لها الأوروبي في بلاده الديمقراطية، لوجدت أن العربي ينعم بأعلى درجات الديمقراطية «العربية» بينما يرزح الأوروبي تحت نير القوانين الصارمة التي تعاقبه على أبسط الأخطاء.
خذ مثلاً حرية التعبير التي يعتقد بعض العرب أن الغرب هو الملك المتوج في هذا المضمار، فستجد أنها مكبلة ومقيدة بقوانين وتشريعات وأحكام صارمة، وبإمكان أي مواطن أوروبي أن يرفع دعوى أمام القضاء لمجرد أن شخصاً ما أهانه بكلمة أو اتهمه بالكذب زوراً وبهتاناً. لهذا مثلاً تجد المحاكم الغربية مليئة بقضايا الافتراء والقدح والذم والطعن، ولطالما أقام البعض دعاوى على آخرين بسبب تغريدة بسيطة، بينما يمارس «الديمقراطيون» العرب أعلى درجات الكذب والافتراء والقدح والذم والقيل والقال ونشر الإشاعات والتحريض دون أن يرمش لهم جفن، لأن لا قوانين ولا ضوابط تلاحق مثل هذه القضايا السخيفة بالمفهوم العربي.
كلمة عنصرية واحدة في الغرب يمكن أن تنهي وظيفة أكبر المسؤولين، بينما في بلادنا يمارسون أسوأ أنواع الطائفية والتحريض الديني والعنصري والقومي (عمال على بطال). صحيح أن كلمة واحدة قد تودي بالعربي خلف الشمس لو كانت ضد سيادته أو جلالته، لكن له مطلق الحق في أن يسب ويشتم ويقدح ويذم ويفتري ويلعن ويشوه سمعة من يشاء طالما أنه لا يقترب من الرئيس أو الحاكم. وحدث ولا حرج عن حرية النصب والاحتيال والسرقة في بلادنا «الديمقراطية» الغراء، فهي الأعلى في العالم بالمفهوم الديمقراطي العربي، ويساعد الشعب في التمتع بهذه الحرية المفتوحة أن الأنظمة والحكام يتعاملون كما قلنا مع بلدننا كما لو كانت ملكاً خاصاً يتصرفون بها ويبددون ثرواتها كما يشاؤون. وكما يقول المثل الشعبي، فإن الثلم الأعوج من الثور الكبير، وبما أن السلطات تعتدي على المال العام وعلى ثروات البلد بكل حرية، فلا بأس أن يتعامل المواطن العادي مع ممتلكات الدولة كما لو كانت مشاعاً، فيعتبر سرقة الكهرباء والماء وأي خدمات أخرى تقدمها دولته المزعومة نوعاً من التذاكي والفهلوة، بينما يلاحق القضاء الزعماء والمسؤولين في البلدان الديمقراطية الحقيقية على تبذير دولار واحد. ولطالما قضى بعضهم في الغرب عقوبة السجن لاختلاس مبالغ ينفقها ابن أصغر مسؤول عربي على صاحبته من صندوق الدولة طبعاً. من الأكثر ديمقراطية بربكم، الغرب أم العرب الذين يمارسون كل أنواع العدوان على
الممتلكات العامة وثروات البلدان بكل حرية و «ديمقراطية»؟ هل تستطيع أن تمارس أي نشاط في الدول الديمقراطية الحقيقية بعيداً عن أعين القانون؟ عليك أن تدفع كامل المستحقات للدولة والويل كل الويل لمن تسول له نفسه التحايل على القانون في كل شاردة وواردة، بينما في بلادنا الكل يفكر بانتهاك القوانين والتحايل عليها وحتى تجاهلها والدوس على الدساتير في كل
مجالات الحياة، بدليل أن مفهوم الواسطة تتميز به الدول العربية عن بقية دول العالم بامتياز، فالديمقراطية العربية تسمح لك بالحصول على أي شيء باللف والدوران والرشوة والفساد والإفساد في كل مناحي الحياة، بما فيها الجيش والأمن. (شايفين قديش عنا ديمقراطية يا متعلمين يا بتوع المدارس!)
كاتب واعلامي سوري
falkasim@gmail.com