الحرب وست سنوات من المخاوف
بقلم/ سيف الحاضري
نشر منذ: 3 سنوات و 9 أشهر و يومين
الأحد 28 مارس - آذار 2021 04:44 م
 

بدأت الحرب والشرعية اليمنية لا تواجه سوى انقلاب جماعة الحوثي الإيرانية على جغرافيا اليمن، فيما المجتمع الدولي يجمع على دعمها وضرورة إنهاء الانقلاب الحوثي.

اليوم وبعد ست سنوات حرب تجد الشرعية نفسها أمام انقلابات متعددة على مستوى الجغرافيا اليمنية، وأما على مستوى المجتمع الدولي والمواقف الدولية التي كانت تمثل إجماعاً لدعم الشرعية الدولية، فبعد ستة أعوام من الحرب تبعثر الإجماع وتمزق.

عندما انطلقت شرارة الحرب ضد الانقلاب كانت جماعة الحوثي محاصرة على المستوى السياسي والدبلوماسي، وبالكاد وعلى استحياء فتحت سلطنة عمان نافذة لهذه الجماعة مع العديد من دول المجتمع الدولي وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.

غير أن الواقع الآن مختلف, فالجماعة الانقلابية باتت تجد العالم يفتح أمامها آفاقاً للحوارات الدبلوماسية.. ثمة أخطاء كارثية ارتكبتها قيادة الشرعية جعلتها تخسر مكامن قوتها وشرعيتها سواءً كان ذلك على المستوى المحلي أو على مستوى العلاقات الدولية وموقف المجتمع الدولي من الحرب ضد الانقلاب. في مطلع عام ٢٠١٧ تحدثتُ مع أحد الدبلوماسيين العرب حول مستقبل الحرب ..

قال الدبلوماسي العربي إن دخول الحرب عامها الثالث يفقدها الدعم الدولي ويجعل المجتمع الدولي يتخذ مواقف متباينة حول استمرارها. كان ردي أن المجتمع الدولي ملزم بتطبيق قرارته حتى لو طالت الحرب خاصة القرار ٢٢١٦ ..

رد الدبلوماسي الصديق بقوله: تفويض المجتمع الدولي للتحالف ودعمه للشرعية اليمنية ليس شيك مفتوح وإطالة الحرب تفقد القرارات الدولية قوتها وتجعل تنفيذها أمراً معقداً وصعباً. الدبلوماسي الصديق قال بكل وضوح: التحالف العربي بقيادة السعودية انحرف عن تحقيق أهدافه المعلنة، حينها فعلا كان ينتابنا الريب من توقيف العديد من الجبهات وعدم دعمها بالسلاح ودفعها لتحرير مناطق جديدة يسيطر عليها الحوثي . في الرياض في العام ٢٠١٨ تحدثتُ مع كبار مسؤولي الشرعية وكبار قادة الأحزاب.

، كان كل حديثي معهم عن حالة الجمود في مسار الحرب وحالة الانفلات في المحافظات المحررة وتقويض سلطة الحكومة فيها لصالح مليشيات، كان أهم ما لفت نظري حديث أحد المقربين للرئيس هادي عن أحداث عدن وتدخل الإمارات ودعمها للمجلس الانتقالي. قال لي: نحن تركنا لهم السيطرة لأننا نعلم أنهم سيفشلون ولن يقدموا شيئاً للجنوب، عندها ستحرق كروتهم.. شخصياً صُدمتُ برده ذلك، وبادرت بالقول: هل تسلمون العاصمة لمليشيات لمجرد أنكم ترغبون في إحراقهم..

تسلمون عاصمة الدولة التي من المفترض أن تكون منطلقاً لتحرير البلاد من مليشيات الحوثي!! وختمت حديثي معه بأنهم سيجدون أنفسهم أمام جماعة مسلحة لا تختلف عن جماعة الحوثي، وعندها لن يكون الخيار إلا خيار « الحرب « لاستعادة ما تفرطون به اليوم. تحدثتُ أيضاً مع أحد القيادات الحزبية عما يحدث، ومخاوفي من انحراف الحرب عن مسارها الذي قامت من أجله.

بادرني القيادي العزيز بالقول: المخاوف التي أنت تتحدث عنها أصبحت واقعاً وقد تلقت الرئاسة والحكومة تحذيرات من سفراء غربيين من مخاوف تبعات انحراف مسار الحرب عن أهدافها وقالوا لنا أنتم الحكومة الشرعية ماذا تريدون منا!! نحن مستعدون للقيام به سواء كان على مستوى تصحيح مسار الحرب أو على مستوى عدم تمكين الحكومة الشرعية من بسط نفوذها على المحافظات المحررة .

وأضاف في سياق حديثه: لقد تلقينا تحذيرات من أن إطالة الحرب سيدفع المجتمع الدولي لفرض حلول دبلوماسية تفرض مبدأ التقاسم للسلطة مع مليشيات الحوثي. انتقلتُ للحديث مع مسؤول بارز في الحكومة وفتحتُ معه الحديث عن نفس المخاوف التي تنتابني من استمرار انحراف مسار الحرب. قال لي إننا ندرك ذلك وندرك أن التحالف - وخاصة بعد الأزمة الخليجية مع قطر - لم يعد يرغب في حسم المعركة. هنا قاطعته.. إذاً لماذا الصمت ولماذا لم تتخذوا إجراءات لإصلاح هذا الوضع المختل الذي يدفع اليمن نحو حروب متعددة؟. قال: لدى التحالف مخاوف ونحن نعمل على إزالة مخاوفه وإقناعه بأهمية حسم الحرب مع جماعة إيران ..

قاطعته: طالما أن التحالف لديه مخاوف من حسم المعركة لصالح الشرعية.. فلماذا قبل التحالف الدخول في الحرب من أجل دعم الشرعية؟!. ذهب المسؤول الحكومي البارز بالقول إن التحالف كان في تدخله صادقاً وكان تعامله في إدارة المعركة واضحاً.. لكن تقارير أصحابنا من داخل الشرعية منحت التحالف فرصة الانحراف عن مسار المعركة وتحويلها إلى دعم معارك بينية سواء على المستوى العسكري أو على المستوى السياسي.

كشف المسؤول الحكومي أنه في موضوع معين التزم التحالف بتنفيذه غير أنه بدأ يماطل، وعندما مارسنا مزيداً من الضغوطات تفاجأنا بتقديم التحالف صوراً لتقارير مرفوعة من مسؤولين في الحكومة تحذر من تنفيذ ما تم الاتفاق عليه مع التحالف وبأن ذلك سيذهب لخدمة تيار بعينه داخل الشرعية. أردتُ مقاطعة المسؤول الحكومي لكنه بادر بالقول: من رفعوا تلك التقارير خدموا التحالف الذي وجد فيها فرصة للتملص من التزاماته تجاه الشرعية وخاصة نحو الجيش ومتطلبات المعركة. قلتُ له: يعني ماذا؟..

قال: هناك أهداف أخرى للتحالف ندركها لكنه كان محاصراً لا يستطيع تنفيذها ولا يملك خياراً سوى دعم المعركة وحسمها.. غير أن تلك التقارير التي كانت بمثابة خنجراً قاتلا في ظهر الشرعية منحت التحالف مبررات التخاذل في حسم المعركة والتباطؤ في دعم عودة الشرعية.

وأضاف: تحولنا من مهمة دعم معركتنا المصيرية إلى مهمة إقناع الأشقاء بعدم صحة التقارير .. وأكد أننا كنا نثبت عدم صحتها لكن الرغبة في عدم الاقتناع كانت قوية لديهم. وختم بالقول: أكبر خطأ ارتكبته الشرعية أنها سمحت بتحويل موظفيها إلى مخبرين مع اللجنة الخاصة وبتوصيات رئاسية وحكومية. واستدرك في حديثه معي (كان يفترض أن نُصرّ على الأشقاء الموافقة على إقراض الحكومة ميزانية عامين أو ثلاثة لإدارة البلاد ومؤسساتها وإدارة الحرب.. لتقوم الحكومة بصرف رواتب الجميع بدلا من اللجنة الخاصة. صمت لوهله وبادرته بالقول: وماذا بعد..

قال: علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نوحد كلمتنا لكي نعيد الحرب إلى مسارها الصحيح.. انتهى حديث المسؤول الرفيع. هنا نجد أن التحالف عمل على تعطيل مؤسسات الحكومة الشرعية أولاً ومن ثم حوّل قيادات تلك المؤسسات إلى موظفين ومخبرين مع اللجنة الخاصة وتوظيف الجميع في سياق تحقيق أحد أهم أهدافه إضعاف الدولة اليمنية واستبدالها بمليشيات مسلحة تتقاسم الجغرافيا. تحت مبرر مخاوف التحالف التي دعمها بتقارير مسؤولين أقل ما يمكن أن تصفهم بأنهم «مخبرين « عملوا ضد بلدهم بصفاتهم الرسمية.

ولذات الأسباب والمبررات تم منع عودة البرلمان وعودة الرئيس وعودة الأحزاب والحرية السياسية ومزاولة نشاطها. وتحت مبرر مخاوف التحالف تم وقف تحرير الحديدة ووقف دعم الجيش في تعز ووقف جبهات الضالع وكرش والراهدة. وتحت هذا المبرر تم توقيف تحرير مديرية صرواح وايقاف الجيش على أطراف مديرية أرحب. تحت ذات المخاوف تم الانقلاب على الشرعية وإخراج كامل مسؤوليها. وتحت ذات المبررات يتم المماطلة في تنفيذ الشق العسكري من اتفاق الرياض وترك الإمارات تعبث بجزيرة سقطرى. وبمبرر المخاوف التي تنتاب التحالف مازال التحالف يمنع تزويد الجيش الوطني بالسلاح الثقيل والنوعي والذخيرة الكافية. وهكذا تم إضعاف الجيش وإنشاء كنتونات مسلحة في صعدة وحجة خارج سيطرة الحكومة.

وفي سياق ذات المخاوف يتم اليوم التفاوض مع مليشيات الحوثي الإيرانية للقبول بمبادرة الشقيقة السعودية من أجل وقف الحرب، دون أن يكون للشرعية حتى وجود شكلي في تلك المفاوضات.

وهكذا تقودنا هذه المخاوف التي تستخدمها الشقيقة ضد الشرعية إلى تقسيم البلاد لدويلات طائفية ومناطقية وفي استنساخ للتجربة اللبنانية.الدولة فيها الأضعف, لندخل بذلك مستنقع حروب لا حصر لها ولا وقت لنهاية أشواطها القادمة. https://www.facebook.com/100002008803615/posts/3797639850312938/?d=n