حوار متشدد مع الشيخ عبدالمجيد الزنداني
بقلم/ سيف الحاضري
نشر منذ: 8 أشهر و 4 أيام
الثلاثاء 23 إبريل-نيسان 2024 07:24 م

برحيل الشيخ عبدالمجيد الزنداني تفقد اليمن أحد أعلامها وتفقد الأمتين الإسلامية والعربية أحد أبرز علمائها ومفكريها ورواد الدعوة الإسلامية.

 

أتكلم عن الشيخ عبدالمجيد، الذي رافقته فترات زمنية متقطعة، ولعليّ هنا أجد نفسي لا إراديًا أريد أن أكتب عن أول لقاء جمعني بالشيخ عبدالمجيد الزنداني، القصة هنا مثيرة ويصعب عليّ عدم تذكرها كلما رأيت الشيخ عبدالمجيد رحمة الله عليه، وكيف تعامل مع شاب صغير متخرج من الصف التاسع يحمل أفكار جماعة الهجرة والتكفير ..

في نهاية العام 89 كنت متأثراً بأفكار جماعة الهجرة والتكفير، ووصلت وأنا ذلك الشاب الصغير إلى قناعة أن رموز الدعوة الإسلامية أو بالأصح جماعة الإخوان المسلمين، كفرة متكئاً بتلك القناعات على العديد من القواعد الفقهية.

وبناء على ذلك وفي أحد الأيام كنت أستعجل خطواتي للحاق بصلاة العصر جماعة، ولحقت الصلاة، وبعد الانتهاء من الصلاة أتفاجأ أن من كان يؤمنا في الصلاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني، تفاجأتُ وقمتُ مباشرة إلى إحدى الزوايا وصليت من جديد اعتقاداُ أن الصلاة وراء من كنت معتقداً أنهم كفرة لا تجوز,

كان بجواري أخي الشهيد الدكتور عبدالله رحمة الله عليه، حين وجدني أصلي بعد أن صلينا سوياً العصر جماعة، قال لي:

أخي سيف, ماذا صليت الآن ألا تعلم أن الصلاة بعد العصر مكروهة..

أنا: نعم أعلم لكنني أعدتُ صلاة العصر..

أخي: لماذا أعدت صلاة العصر وقد صلينا العصر جماعة.

أنا؛ صلاة جميع من صلى العصر باطلة ولا تجوز ويجب إعادة الصلاة.

أخي: ولماذا باطلة؟

أنا: لأن من أمنا في الصلاة مشكوك في عقيدته ويرجح أنه أصبح كافراً.

أخي: من تقصد الشيخ عبدالمجيد, كافر!!.

أنا: نعم كافر وبأدلة فقهية وشرعية قاطعة.

أخي وهو في حالة ذهول: وأيش هذه الأدلة الشرعية والفقهية القطعية؟.

أنا : يكفي أنه يؤمن ويقبل بأن توضع شرعية الله للتصويت في مجالس الشورى وهنا يتم وضع الشريعة للتصويت ويمكن رفضها،

وقمت بسرد قضايا كثيرة، زادت من غضب أخي وزدتُ أنا تمسكاً بقناعتي أن الشيخ عبدالمجيد ورموز الصحوة الإسلامية كفرة.

 

وصل الحديث إلى الشيخ عبدالمجيد، وأصبح الكثير من الشباب يبدون تذمرهم لموقفي.

وفي اليوم التالي جاءني أخي وقال: الشيخ عبدالمجيد يدعوك لمناقشته ومحاورته بالدليل الشرعي.

عندها أزدتُ شعوراً بالعظمة، وقبلتُ محاوراً من أعتقد أنه من رموز الكفر، وتم تحديد موعد الحوار بعد صلاة العصر.

تركت الجميع وذهبتُ أقلب عدداُ من الكتب الشرعية السلفية وبعض المراجع التي تعتبر مجالس الشورى والانتخابات والديمقراطية بأنها أدوات كفر قادمة من الغرب وأنها بديلة عن الشريعة, وكتبتُ قائمة مكونة من 13 سبباً لتكفير علماء وقادة الصحوة الإسلامية ومنهمً الشيخ عبدالمجيد.

 

جاء موعد صلاة العصر وقبل أن أنخرط في الصلاة جماعة وجدتُ أن من سيصلي بنا جماعة شخصٌ آخر غير الشيخ، وعلمتُ فيما بعد أن الشيخ كان من طلب ذلك..

انتهينا من الصلاة ودعاني أخي للجلوس مع الشيخ عبدالمجيد، سلمت عليه فكان رد سلامه لي بحفاوة كبيرة

وأجلسني أمامه.

 

قال الشيخ: أنت جاهز كي تثبت لي بالدليل الشرعي أنني كما قلت عني.

أنا: نعم جاهز.

الشيخ: على الجميع المغادرة ولا تسمحوا لأحد بالدخول.

 

انصرف الجميع وهم في حالة اندهاش كيف يعطي الشيخ هذا الاهتمام لشاب صغير في العمر مستواه العلمي الصف التاسع متأثراً بأفكار جماعة التكفير والهجرة السلفية.

 

بعد انصراف الجميع، نظر إليّ الشيخ عبدالمجيد مبتسماً، وقال: جاهز نبدأ؟.

أنا: نعم جاهز.

الشيخ: هاتِ ما عندك تبين أننا كما قلت عنا.

أنا: تطبيق الشريعة الإسلامية فرض وواجب من الله، وأنت تقبل بإخضاعها للتصويت، وهنا يمكن قبولها ويمكن رفضها، وأنتَ تعلم أن مجرد إخضاع الشريعة للتصويت يعتبر ردة وكفراً.

 

الشيخ: هذه الأولى هاتِ الثانية.

أنا : أنتم تقبلون بالديمقراطية القادمة من الغرب وأنتم بذلك تتشبهون باليهود والنصارى، والتشبه هنا كفر.

 

الشيخ : هذه الثانية هل تريد أن أرد أم تريد سرد ما لديك؟.

أنا: كما تحب.

الشيخ: إذاً سأرد على ما طرحته وبعدها تطرح ما تبقى لديك.

انتهى الاقتباس.

 

وهنا أريد أن يتخيل معي القارئ كيف تعامل الشيخ عبدالمجيد - رحمة الله عليه - مع شاب صغير يحمل أفكاراً متشددة، وقبل محاورته لمدة ثلاثة أيام من بعد العصر وحتى أذان المغرب, لم أشعر منه حتى بثانية امتعاض.

 لقد أشعرني الشيخ عبدالمجيد وهو يستمع لقساوة كلامي، بأنني أمام أب قبل أن يكون داعية وشيخاً عالماً له مكانته ووجاهته.

 

بعد حوار اليوم الثالث مع الشيخ عبدالمجيد لم أستطع رفع وجهي لأرى وجهه خجلاً، شعرتُ حينها أنني أمام أب كان حريصاً على ابنه من الوقوع في شباك الضياع والفكر المتعصب، الرافض لكل ما حوله،

شعرتُ بعاطفة الأبوة، لقد غرس الشيخ عبدالمجيد فيّ إرادة الكفاح وعدم الاستسلام للفشل أو اليأس.

 منذ تلك اللحظات وحتى آخر لقاء جمعني به في إسطنبول، كان يشعرني أن مكانتي لديه لم تتغير، وأن رأيي لديه مسموع ويؤخذ، وأنني محط ثقته التي لا تتزحزح.

إذا كانت الأمة اليوم فقدت أحد أعلامها وعلمائها، فإنني اليوم قد خسرتُ أباً وموجهاً ومربياً وقدوة.

 

لا أبالغ إن قلتُ بأن الشيخ لم يكن مجرد مدرسة للفكر والعقيدة والثقافة وقيم الأخلاق فحسب، بل كان مدرسة لصناعة الرجال والقادة، على جميع المستويات.

في العام 2005 أو 2006 لا أذكر بالضبط, أي بعد قرابة 27 عاماً من محاورة ذلك الشاب الصغير للشيخ عبدالمجيد الزنداني, تمكنتُ بفضل من الله من إقناع الشيخ عبدالمجيد اللقاء بالدكتور ياسين سعيد نعمان أمين الحزب الاشتراكي آنذاك وللأمانة لم يتردد الشيخ عبدالمجيد ثانية كما لم يتردد الدكتور ياسين سعيد نعمان كذلك في منزلي، وكان لذلك اللقاء أسبابه ومبرراته، لإحباط مخططات كانت تستهدف الشيخ عبدالمجيد والدكتور ياسين سعيد نعمان، سيتم الحديث عنها في قادم الأيام.

 

لذلك أشعر اليوم بحاجة للبكاء على رحيل الشيخ عبدالمجيد كما لم أشعر به من قبل.

 

رحمك الله أيها الشيخ الجليل والأب الكريم، وأسأل الله أن يجزيك عني وعن هذه الأمة كل خير.

إن كنتَ غادرتنا جسداً وروحاً، فأنتَ في وجداننا وعقولنا فكراً ومنهجاً نسير عليه.

عزاؤنا لهذه الأمة بفقدان هذا العلم والفارس والقائد المجاهد.