خلال الأسابيع القليلة الماضية كنت والعشرات من مناضلي المناطق الشرقية نتداول الحديث ونحن محملون بهموم لا حصر لها وفي أعماقنا غضب شديد وغيرة وحرقة لا تبدو علينا إلا في حالات نادرة، وكان أكثرنا يبحثون كيف لهم أن يفرغوا شحنات هذا الغضب؟ ورغم أن بعضنا أميون إلا أن كلاً منا يحمل جراحاً معظمها من معارك الشرف والبطولة التي خضناها من أجل الثورة والجمهورية ضد النظام الملكي وضد العبودية ومن أجل الحرية والعدل والمساواة تحت شعار الثورة وخلف مبادئها السامية، وقد رأيت في بعضنا أكثر من خمسة عشرة إصابة في أماكن مختلفة أص
يب بها في معارك متعددة من أجل قيام الثورة ودفاعاً عن الجمهورية والوحدة، والبعض منا قد فقد بعض أطرافة إضافة إلى الشهداء الذين سقطوا في تلك المعارك من إخواننا وأقاربنا، وكان هنالك جرح آخر نحمله نتيجة لما جاء في مذكرات وكتابات بعض الشخصيات خاصة التي تتكلم عن الثورة والجمهورية والوحدة وكان آخرها ما كتب على لسان الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر في مذكراته ورأينا كم ظلمنا نحن وغيرنا من أبناء اليمن مرة في حقوقنا المشروعة التي لم تكن في حسباننا عند قيامنا بأعمالنا الوطنية ومرة أخرى في تاريخنا والذي قال -تعليقاً عليه- أحد الإخوان :
(حتى هذا لم يتركوا حقنا فيه)، وقد حاولت تهدئتهم وقلت لهم بأننا نتحمل بعض المسؤولية في أننا لم نكتب عما شاركنا فيه ولا عما شهدناه من المعارك والمواقف حيث كنا نقاتل ونناضل وعندما تنتهي المعركة وتستتب الأمور نعود إلى قرانا لكننا لم نكن نتصور أن من استولوا على الأمر في صنعاء سوف يكونوا إلى هذا الحد من الأنانية خصوصاً في مسألة التاريخ، فقد قراءنا وسمعنا كثيراً مما كتبه بعض الجمهوريين وبعض المجمهرين وتراكمت عندنا الحسرات كيف أن الكثير كانوا يتكلمون عن أنفسهم فقط وهم كانوا محبوسون في سجون الإمام في حجة وغيرها عند قيام الثورة وقد أتصور الفرق بين القادة والجنود عند المعركة لأن القادة يعرفون ما يقوم به كل الجنود في كل أماكن وأزمنة المهام التي يكلفوا بها، وبالتالي فالقائد ومن معه في موقع القيادة يكونون أكثر إلماماً بكل تفاصيل المعركة التي يقوم بها الجنود في السرايا والكتائب المختلفة أما الجنود فكل جندي يظل محصوراً في مكان مهمته ولا يعرف إلا ذلك الدور الذي قام به فقط وربما بعض الأدوار لقلة من الجنود الذين يكونون قريبين منه، ولذلك فإن الجندي لو فكر في آخر عمره أن يكتب ذكرياته فمن الطبيعي أنه لن يتذكر إلا ذلك الدور الذي قام به والمكان والزمان الذي شارك فيه وبعض ما قد يسمعه من زملائه في فصيلته أو كتيبته، وهذا أمر بديهي فهو لا يستطيع أن يتذكر أعمالاً وبطولات لزملائه الآخرين وحتى قادته لأنه لم يكن معهم في مهامهم ولا أماكنهم الأخرى والتي دائماً ما تكون أقوى وأكثر فعالية في الحدث من دوره الذي قام به بمفرده أو مع مجموعة بسيطة من زملائه، وليس عيباً عندما يتكلم عن دوره وتفاصيل هذا الدور ومهما كان بسيطاً فسيحاول أن يعظمه لأنه لم ير سواه، ولكن العيب هو عندما يحصر كل المواقف في موقفه، ويختزل كل الصورة في شخصه، أو يجيّر كل الأدوار له ويقول -أو يكاد أن يقول- بأنه لا يوجد دور في المعركة غير دوره فما بالك بمئات المعارك التي هي بعيدة حتى عن قطاعه القتالي لاسيما مثل معارك الثورة والتي قدموا فيها رجال عظام ومن مناطق عديدة بطولات أسطورية وتضحيات جسيمة حتى تحقق النصر للمشروع الكبير الذي قامت المعارك من أجله.
لقد قال أولائك الإخوان المناضلون لي بأنهم يريدوننا أن نرد خصوصاً على مذكرات الشيخ الأحمر كشخصية اجتماعية في حاشد لها وزن عند أغلب اليمنيين فقلت لهم الشيخ عبدالله على فراش المرض وليس هذا الوقت المناسب للرد عليه، بل ندعو له بالشفاء من مرضه ونتمنى من الله أن ينعم بالصحة والشفاء العاجل له، فقال أحد الإخوان ولكننا نخاف أن نسكت الآن احتراما لمرض الشيخ الأحمر ويأتي أمر آخر ولا قدر الله فيقال حينها إذا وضحنا الحقائق التي نعرفها لماذا سكت هؤلاء حتى الآن وفي عهد الشيخ لم يردوا؟ فيفسر ذلك أنه خوف أو نقص يستغله بعض المغالطين في حينه؟ فقلت لهم: تلك هي قيمنا التي تربينا عليها ولن تضرنا مقولات بعض أصحاب القيم الزائفة في وقتها؟
وقد تّذكرنا مواقف أغلب اليمنيين من تعز والبيضاء وأبين وشبوة وإب وتحديداً المناطق الوسطى والضالع والحدأ وذمار ومأرب وصنعاء وصعدة وحجة والحديدة ويافع وردفان والجوف وعمران وريمة والمحويت وغيرهم الذين لولاهم لما كانت الثورة، وتذكرنا كيف كانت عدن هي مدينة لثوار سبتمبر وأكتوبر وكيف كانت هي الملاذ الآمن لثوار سبتمبر يحضرون ويخططون وينطلقون للثورة منها، وكذلك من القاهرة وعن دور المصريين، تحدثنا كثيرا ولكني أقنعت الإخوان بالتريثً إلى حين، وعندما تذكرنا بعض القضايا ومعرفة بعضنا بالشيخ وبعض رجال حاشد في تلك الأيام ومن خلال ما قرأناه له وعنه، وهو ما أكد لنا صحة مقولة بعض أصحابنا أهل المشرق بأن الرجل أصبح بعد الثورة وبعد خروجه من السجن أكثر من إمام في حاشد فكراً وسلوكاً وكيف أنه وأغلب حاشد باستثناء أبو شوارب وقله آخرين من حاشد أجبروا على أن يكونوا جمهوريين ويتخلوا عن الإمام الذين ناصروه لعقود وكيف أنهم كانوا أيضاً انفصاليون لا يريدون الوحدة هم وكثير من رجال بعض قبائل شمال الشمال من سنحان وحاشد وغيرها، ولولا أن الرئيس علي عبدالله صالح الذي لا ينكر أحد قيادته ودوره الأساسي في صنع الوحدة فرض عليهم الأمر رغم أن بعضهم لم يتقبله حتى هذه اللحظة وإن سكت، وإن كان لبعضهم دور سياسي في حرب الدفاع عن الوحدة في 94م فهو من باب العصبية القبلية لشخص الرئيس علي عبدالله صالح وقد أستدل مجازاً بأطروحة فرضية لتأكيد ذلك وهو أن الرئيس علي عبدالله صالح فرضاً وتخيلنا أنه من أعلن الانفصال وعلي سالم البيض هو من رفع شعار الوحدة أو الموت، فأعتقد أن الشيخ عبدالله الأحمر وكثيراً ممن ذكرهم في مذكراته من أصحابه كانوا سيقفون مع الرئيس علي عبدالله صالح لأن العصبية هي التي حركتهم أكثر من المبدأ، ومعروف موقفهم عند التصويت على الوحدة في مجلس الشورى قبل الوحدة كيف أنهم صوتوا ضدها جهاراً ونهاراً ولكن أغلبية أبناء الشمال وكل أبناء الجنوب بقيادة الرئيس علي عبدالله صالح و علي سالم البيض صنعوها وحققوا أمل الشعب في الوحدة، وأقولها بشجاعة ليس غروراً ولا طيشاً ولا مناطقية، ولكن كلمة حق لا يراد بها باطل، إنما يراد بها الحق في زمن جائر.
وعوداً على بدء فإنني أؤكد بأن الناس سوف يزعلون من قيادات كبيرة عندما تكتب عن الثورة وأي حدث وينسون أدوار الآخرين الذين شاركوهم الحدث، أما القيادات الصغيرة والجنود فلا يستطيعون إلا أن يتذكروا مواقفهم فقط، وهذا ليس تصغيراً لأحد وخصوصاً الشيخ عبدالله الأحمر والشيخ سنان أبو لحوم وغيرهم، فهم من الشخصيات الكبيرة في البلد ولا ينكر أحد ذلك، ولكنهم ليسو أكبر الشخصيات وليسو وحدهم هم الكبار، لا تاريخياً، ولا سياسياً، ولا حتى قبلياً لهم مكانتهم، وهناك من هم في جنوب البلاد وغربها وشرقها وحتى شمالها من هم أكبر منهم ومثلهم ولهم أدوار لا تقل عن دورهم وأكبر منها.
* صحيفة الأهالي
في الأربعاء 12 ديسمبر-كانون الأول 2007 08:27:30 ص