جبل صبر .. ربيع الخضرة وسفينة الضباب
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 14 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
السبت 08 مايو 2010 06:32 م

خمسة أشياء أحببناها : الطريق التي تنقل الزائر بمنتهى الدقة من الحالمة تعز إلى قمة ‏الجبل،منتزه الشيخ زايد ، الزي التقليدي الذي يعد الجانب الأجمل ، والوجوه المفعمة بالإشجان ‏، وأخيرا الجو الساحر للمنطقة . ‏

سابقنا الشمس قبل إن تشرق لننطلق من هنا من الحالمة تعز بعد أن جهزنا عدتنا ..وشوقنا ‏يزداد كلما اقتربنا من جبل صبر الذي طال اشتقنا لجماله والتجول بين الحقول الخضراء ‏والزهور الملونة وبدأنا نصعد أول منعطف من الجبل مودعين المدينة تكمل أحلامها ونومها بكل ‏هدؤ وسعادة . وبعد وقت قصير وصلنا إلى جانب منتزه الشيخ زايد بن سلطان ذو البناء ‏الضخم ومطلة على المدينة بالكامل ، ظلينا نراقب حركات الناس والوجوه البريئة لأبنا الريف ‏بعضهم على الرصيف يبع القات والفواكه والبعض ذاهبين للعمل في الحقول والمدرجات ‏الخضراء وآخرون نازلون إلى المدينة وهكذا اختلط الحظر بالريف في مشهد جميل قضيناه في ‏متعة واستراحة.‏

‏ واصلنا السير إلى الأعلى في المنعطفات الإسفلتية المتطورة ومن يميننا ويسارنا مناظر ‏مدرجات خظراء خلابة وزاهية تتوسطها منازل تقليدية وأهالي يعملون بكد ونشاط في هذه ‏الواحات الخضراء وكأنها لوحة فنية رسمها إحدى الفنانين المبدعين.‏

‏ للقرى المتناثرة على الجبل طعم خاص،معظمها لا تزال تحتفظ بعاداتها وتقاليدها القديمة ‏والأهالي لا يزالون يحتفظون بالبساطة والاحتفاء بالزائر تشعر بذلك وأنت تتحدث مع أي شخص ‏فتصافحك الابتسامات قبل الأيادي لا احد يزور صبر إلا ويقع أسيرا في عشق المنطقة التي ‏تكسوها الخطرة المتدرجة الألوان من الاخظر الباهت إلى العميق كالزمرد تعطيك الإحساس بروح الجمال لهذا السندس ‏الأخضر والنباتات التي تنبثق من بين الأحجار وأشجار الفاكهة التي بجوار كل المنازل .‏

وقفنا في منتصف الطريق المؤدية إلى قمة الجبل في منطقة (ذي مرين) بإطلاله واسعة على ‏تعز بالكامل ونشاهد من هنا إلى المدرجات الخظراء في الأسفل وفي هذا المكان يتواجد السواح ‏بكثرة يراقبون حركة المدينة التي تتللأ وكأنها لمعان الماء في قعر بئر. ‏

‏ مســــجد أهل الكهف

وبينما نحن في شوق ولهفة لنعانق العروس تاج الجبل سحرتنا شذرات روحانية من يمين ‏الطريق في منطقة المعقاب وسط واحة واسعة من الخضرة المختلطة بالأزاهير الملونة تتناثر ‏فيها بعض المنازل التقليدية هنا وهناك وكانت منبع الشذرات هو مسجد أهل الكهف .‏

‏ استقبلنا في المسجد الحاج قائد بابتسامات بريئة نابعة من وجهه وبداء يشرح لنا تفاصيل عن ‏المسجد .. وهو مبني بأحجار تكلسية مطلية بالقضاض الأبيض بشكل مستطيل بمساحة 18 ‏متر وعرض ‏12 متر تقريباً , وللمسجد ثلاثة مداخل في المدخل الجنوبي بركة للماء مبطنة بالحجارة ‏والقضاض وسقف المسجد خشبي مزخرف وأعمدته خشبية متصلة بأحجار عليها نقوش جميلة ‏، وفي زاوية المسجد توجد غرفة صغيرة فيها فتحة الكهف بقطر 70 سم يقال أنها تمتد إلى ‏مدينة ثعبات الواقعة أسفل الجبل من جهة الشرق على بعد عدة كيلو مترات وتهب منها رياح ‏أحيانا تطفي الفانوس أو الشمعة كما شرح لنا ذلك الحاج قائد ؛ ويرتبط أسم المسجد بواقعة أهل ‏الكهف التي تعدد ذكرها في القرآن الكريم حسب اعتقاد الأهالي هناك ، ويعتبر المسجد مزار ‏ديني حافل يزار سنوياً في اليوم العاشر من شهر رجب وبجانب المسجد مساحة واسعة تستخدم ‏في ذلك اليوم وهي تابعة للأوقاف يمكن استغلالها بإنشاء استراحة فيها ؛عندما نبتعد قليلا تطل ‏نظراتنا على شذرات روحانية مشابهة على مدى النظر لمسجد بن علوان في يفرس والذي ‏يحظره في يوم الجمع أهالي صبر بنسبة اكبر .‏

العروس تاج الجبل

بعد طول اشتياق وصلنا إلى راس جبل صبر الشامخ أعلى مكان في اليمن بعد جبل النبي شعيب ‏والرياح الباردة واللطيفة تهب علينا من كل جانب ونمد أبصارنا مدى النظر شمال وشرق ،غرب ‏وجنوب نستمتع برؤية المدرجات الزراعية من حولنا وتسافر أنظارنا إلى مشرعة وحدنان ‏وصالة والتعزية ونرسل نظرات إلى دمنة خدير والراهدة حتى قلعة الدملؤة بالصلو...‏

لحظات جميلة لن ننساها والهوا العليل يداعب أجسادنا بهوا بارد ينسينا كل هموم الدنيا ولا نريد ‏أن نفارق هذا المكان الذي قد لا نلقى مثيلها في أي بقعة أخرى وما تزيد الشجون شوقا هي ‏اللحظات التي ننظر بها إلى عدن وخاصة في الليل لنرى أنوار المدينة تتلالى فنكاد نطير إليها ‏ونسبح في بحرها الساحر .‏

الحياة مازالت تقليدية

وللحياة الاجتماعية في جبل صبر إيقاع خاص ،حيث ما يزال السكان يتوارثون ارتداء ‏ملبوساتهم الشعبية وخاصة النساء اللاتي يرتدين الزي الشعبي والحلي التقليدية حتى أصبحت ‏صبر مصدر الإلهام والإبداع الفني للعديد من الفنانين الذين استطاعوا تجسيد ذلك في العديد من ‏اللوحات التشكيلية والأغاني والقصص الأدبية والصور الفونغرافية .‏

ومازال الأهالي يحافظون على الحياة التقليدية القديمة مثل نقل الماء من الآبار القديمة ‏واستخرج الماء بالطريقة التقليدية ( بالدلو ) فيتساعدن فتتأتين في سحب الحبل بنشاط وهن ‏يتغنين بالأغاني الخاصة بذلك ولشهرته بالخظرة والزراعة والحياة التقليدية القديمة فقد أصبح ‏مزار يتوافد إليه من معظم المحافظات والسواح إلى جانب سكان مدينة تعز فأصبح المنفذ الأول ‏للتفرج والهروب من ازدحام مدينة تعز .‏

جمال مخفي خلف الضباب

لم تكتمل رحلتنا في قمة راس الجبل الملي بالضباب وإنما بدأنا بالشوط الأخر لنكتشف ما يخفيه ‏الضباب عنا في‏‏ الجهة الخلفية التي لا تطل على المدينة فيبدوا الجو أكثر نقاء وإنعاش تفوح رائحة المدرجات ‏الخظراء التي تتخللها قرى عديدة متناثرة هناء وهناك على ظهر الجبل الشامخ ومن القرى التي ‏تراه أمامك حَصان النجادة والشقب وتستمر هذه الطريق حتى دمنة خدير وما ينقصها هذه ‏الجهة تعبد الطرق لكي تفتح أمام المتنزهين والسواح الأجانب.‏

لم نرتوي من صبر ومهما أجبرتنا الحياة على أن نفارق من نحب فإننا سنعود إلى أحضانها ‏مرة ومرات و مرات