صواريخ تضرب تل أبيب في مدارس الحوثيين.. التعليم يتحول إلى أداة لترسيخ الولاء بالقوة الأمم المتحدة تتحدث عن توقف وصول سفن الوقود إلى ميناء الحديدة فيتو روسي صادم في الأمم المتحدة يشعل غضب الغرب الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين الحوثيون يبدّلون المنازل المستولى عليها إلى مراكز احتجاز بعد اكتظاظ سجونهم بالمعتقلين المحكمة الجزائية في عدن تصدر حكمها النهائي في المتهمين بتفجارات القائد جواس شهادات مروعة لمعتقلين أفرجت عنهم المليشيات أخيراً وزارة الرياضة التابعة للحوثيين تهدد الأندية.. واتهامات بالتنسيق لتجميد الكرة اليمنية أحمد عايض: ناطقا رسميا باسم مؤتمر مأرب الجامع
في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء - كانت الساعة تشير إلى تمام الثامنة مساء. في إحدى زوايا الميدان كان هناك رجل واقف وبجانبه أشخاص يمضغون القات ويلفون وجوههم بما يعرف بـ"الشال"، وأيضا مسلحون. من خلال ملابسهم ولهجتهم اتضح أنهم قادمون من محافظة الجوف.
ينظر الرجل إلى ساعته بقلق. لم تمر سوى دقائق حتى ظهر أحد الأجانب.. استلم شيئا ما وسلّمه مقابلا ذلك..
هذا اللقاء الذي جمع يمنيا وأجنبيا لم يكن عاديا.. لقد اختصر مسلسلا يزداد خطورة كل يوم.. لقد كان الأجنبي مهرب آثار محترفا، وكانت البضاعة عبارة عن رأس تمثال يحكي قصة أحد ملوك اليمن القُدماء، ولم يكن المقابل سوى مليون ريال...
إنهم "يسرقون تاريخنا".. ليس إلا!
هوس الثراء
عارف أبو حاتم ومحمد السياغي
في 29 نوفمبر من العام الماضي أحبطت سلطات الأمن بمديرية عبس بمحافظة حجة (شمال البلاد) محاولة لتهريب 110 مخطوطات أثرية ذات قيمة عالية، و2000 عُملة نقدية يعود بعضها إلى ما قبل الإسلام، وبعضها إلى العصر الإسلامي.
وبحسب المَحاضر الرسمية فإن ثلاثة أشخاص استقلوا سيارة "جيب" تحمل لوحة الجيش متجهين من مدينة عبس إلى مدينة "ميدي" الحدودية لتهريب ما بحوزتهم من آثار إلى عصابات تنتظر على الحدود مع السعودية.
لقد جمع هؤلاء هذه الآثار من عدد من مديريات وأرياف اليمن، غير أن السلطات الأمنية أحبطت المحاولة، وتم مصادرة المضبوطات وأحالتها إلى هيئة الآثار بصنعاء، وتفيد التحقيقات الأولية أن المهربين يعملون ضمن شبكة من المتاجرين والمهربين الذين تم ضبطهم في قضايا آثار أكثر من مرة،آخرها نهاية العام 2006، في مديرية "منبّه" بصعدة.
يجذبك على صفحة موقع وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) الرئيسية على الانترنت إعلان للهيئة العامة للآثار والمتاحف يشير إلى اختفاء قطعة أثرية نادرة لتمثال مصنوع من البرونز على شكل راقصة، تُقدر قيمتها بعشرين مليون ريال يمني، وتعود إلى حُقبة ما قبل ميلاد المسيح عليه السلام.
عقب حرب صيف 1994 استغلت عصابات الآثار الدولية الارتباك السياسي والأمني في اليمن، فزادت من تركيزها على آثار اليمن عبر وسطاء محليين أصبحوا سماسرة محترفين يسبقون الجهات الرسمية في التنقيب عن الآثار من المواقع التاريخية المعروفة.
ورغم الثراء الفاحش لمهربي الآثار اليمنيين إلا أن المعلومات التاريخية التي تشير إلى وجود كنوز هائلة من الذهب الخالص مدفونة في الرقعة الجغرافية التي امتدت عليها الحواضر اليمنية السبئية والحميرية والمعينية والقتبانية، قد جعلت لعاب هؤلاء يسيل أكثر.
وشهد اليمن خلال العامين الأخيرين حوادث لا تُنسى في استهداف الآثار اليمنية، من أبرزها: تعرض موقعين أثريين في محافظة إب /187 كم/ للنهب والسطو من قبل جماعة قبلية مسلّحة، على الرغم من الحراسة المشددة. ويعود تاريخ هذين الموقعين إلى الحضارة الحميرية، قبل الإسلام، وقد تم سرقة الكثير من محتوياتهما من الكنوز الأثرية الذهبية والبرونزية والحجرية والجنائزية الثمينة، كانت وجدت داخل قبر برونزي يعتقد أنه يعود إلى الملك الحميري "شمر يهرعش"، وآخر يعود لامرأة، ربما تنتمي لعائلة "ذي ريدان" التي حكمت اليمن قبل الإسلام، إضافة على أن الحادثة أدت إلى إتلاف أجزاء كبيرة من مكونات الموقع الأثري بما افقده قيمته التاريخية.
ولم يقتصر النهب على الآثار من مواقعها التاريخية، بل وقد وصلت عصابات ومافيا الآثار إلى نهب المتاحف.. فقد تعرض متحف العود الأثري في إب، أيضا، لسرقة 48 قطعة كانت قد عثرت عليها البعثة الآثارية الألمانية من جبل "العود" التاريخي.
كما أن موقع "الخربة همدان" في الجوف، والشاهد على حضارة "معين" أحد أهم الحواضر اليمنية القديمة وعاصمتها "قرناو" مفتوح أمام عمليات السطو والنهب والنبش والحفر المنظّم، وغير المنظّم.
وتواجه مدينة مارب التاريخية القديمة، ومواقع أخرى مهمة منتشرة على امتداد المحافظة، أبشع هجمات السطو والتخريب والنهب.
مافيا الآثار
لم تتمكن السيدة اليمنية "خ" من تهريب 330 قطعة أثرية عبر مطار صنعاء.. كانت هذه السيدة متجهة إلى إحدى دول الخليج، قبل أن تكشفها أجهزة الأمن.
وبحسب محاضر التحريات فإن عملية تهريب الآثار من اليمن تمارسها عصابات من جنسيات عربية وأجنبية إضافة إلى يمنيين، وتشترك فيها عناصر نسائية تتبع حيلا مختلفة وأساليب متنوعة ومتطورة تضاهي التطور التقني في آلية الكشف الموجودة في المنافذ اليمنية البرية والبحرية والجوية.
وشكلت ظاهرة اكتشاف مهرّبين أجانب للآثار اليمنية ويعملون في شركات تنقيب داخل البلاد الشكوك والمخاوف من أن عملية التهريب للآثار اليمنية يقف وراءها كبار.
فحسب بيانات رسمية مستقاة من واقع محاضر الضبط تم خلال العام الماضي ضبط خمس محاولات تهريب آثار, جميع المتهمين فيها من خبراء شركات النفط العاملة في اليمن.
وتجاوز مجموع المضبوطات الأثرية في هذه المحاولات ثمانيين قطعة أثرية، ما بين تماثيل وسهام وقطع نقدية وغيرها، بعضها قطع مقلّدة.
ووفقا لتلك المحاضر فإن المحاولة الأولى كانت في بداية العام بتاريخ 24 يناير, حيث تم ضبط خبير ايطالي في مجال الغاز بحوزته ستة تماثيل, فيما ضبط خبير ايطالي آخر بتاريخ 4 مارس وبحوزته ستة تماثيل برونزية، إلى جانب ضبط خبير ايطالي ثالث بتاريخ 23 مارس وبحوزته ستة تماثيل برونزية أيضا و17 لوحا حجريا، و12من رؤوس السهام وثلاث تمائم نحاسية. وفي الرابعة تم ضبط خبير فرنسي بتاريخ 26 مارس بحوزته تماثيل برونزية وسهام.
وآخر هذه المحاولات كانت بتاريخ الأول من مايو الماضي، حيث تم على إثرها ضبط خبير فرنسي بحوزته 8 تماثيل برونزية و5 تماثيل حجرية مزورة و15 عُملة بخط المسند، و3 أختام حجرية.
يؤكد تقرير رسمي أن عدد البعثات الأثرية الأجنبية العاملة في اليمن بلغت 14 بعثة من: فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، روسيا، أميركا، كندا، أستراليا وبلجيكا.
ومع ازدياد الشكاوى وحالات الاشتباه بالبعثات التي تقوم بأعمال التنقيب في المناطق الأثرية اليمنية يقول رئيس الهيئة العامة للآثار، الدكتور عبدالله باوزير: "إن جميع البعثات المنقبة وطنية، وإذا كان هناك بعثات أجنبية فإنه يرافقها نظراء يمنيون بشكل دائم".
وفيما تشير بعض المصادر إلى أن البعثة الفرنسية في محافظة الجوف قامت بشراء قطع أثرية من المواطنين بحضور ممثلين عن هيئة الآثار، إلا أن باوزير ينفي، هنا، قيام أية بعثات أجنبية مختصة في التنقيب عن الآثار بشراء قطع أثرية من المواطنين بحضور ممثلين عن الهيئة، قائلا: "لن نسمح بذلك إطلاقا".
وقد تمكن موظفو الجمارك والآثار في مطار صنعاء من كشف آثار: استخدم المهربون التمور والعسل لإخفائها.. كما يقوم بعضهم بوضعها في ثنايا الثياب والخياطة عليها.. ويتم وضع المخطوطات داخل كُتب عادية توضع عادة أسفل الحقيبة، أما القطع الكبيرة كالتماثيل فيتم لفها بالقطن أو القصدير وحشرها بين الأمتعة وجعل الوجه إلى الأسفل، بحيث يتعثر معرفتها بسهولة، إذ تبدو لمفتشي الجمارك عبر الأجهزة كقطعة مدوّرة وليست تمثالا واضحا.
ورغم أن تهريب الآثار إلى خارج اليمن يتم من مختلف المنافذ البحرية والبرية والجوية، إلا أن معظمها، التي تمكنت أجهزة الأمن من ضبطها، خارجة من مطار صنعاء.
يقول مدير إدارة مكافحة تهريب الآثار في مطار صنعاء الدولي، علي محمد المحسن: " نعمل في عدّة منافذ داخل المطار، وهي: صالة المغادرة وهنجر الشحن ومنفذ المرسي وصالة التشريفات، ومن خلال هذه الأربعة المنافذ يتم عرض كثير من القطع على مندوبي الآثار المناوبين في المطار الذين يتمثل عملهم في الإفتاء حول هذه القطع، وما إذا كانت أثرية، ويجب مصادرتها، أو أنها قطع تقليدية عادية ويسمح لها بالخروج، ومهمتنا مشتركة مع الجهات الأمنية في مطار صنعاء، حيث أن أي قطعة يشتبه بها من قبل رجال الأمن في أي منفذ تُعرض على مندوب الآثار".
ويضيف "أننا نستخدم كل الوسائل الممكنة للحيلولة دون تهريب الآثار عبر المطار، بما في ذلك الكشف عن محتويات الصناديق التي تنقلها شركات الشحن وبالتعاون مع رجال الأمن والجمارك، والكل يقوم بدوره في هذا الجانب".
نهب منظم
تشير تقارير أجهزة الأمن إلى ارتفاع كبير في ظاهرة تهريب الآثار اليمنية.. ففي أسبوع واحد، فقط، تم ضبط 41 تمثالاً آدميا من "المرمر" تعود إلى عصري سبأ وحمير، إضافة إلى 521 قطعة أثرية نادرة تشمل النقوش والحُلي والسبائك المتنوعة، والتي تعود إلى عصور تاريخية مختلفة.
ومن أشهر عمليات التهريب التي أحبطتها الأجهزة الأمنية محاولة مجموعة من الأشخاص تهريب أكثر من 700 قطعة أثرية، وفي 2005م تم اكتشاف عصابة يتزعمها عراقي، عُُثر في مسكنه على 788 قطعة أثرية تعود إلى حضارات يمنية قديمة متعاقبة قبل الإسلام وبعده.
مدير عام حماية الآثار والملكية الثقافية في الهيئة العامة للآثار والمتاحف، هشام الثور، يوصف العام 2008 بـ"الأفضل" للآثار اليمنية.
يقول "ارتفعت عمليات القبض والإحباط للآثار المهربة، لكن عمليات المتاجرة والسطو ومحاولات التهريب والتنقيب لم تتوقف".
خلال العام 2008، تمكنت هيئة الآثار من استعادة 447 قطعة أثرية عبر مطار صنعاء فقط، حاول المهربون تمريرها إلى الخارج، وفي العام 2007 استعادت هيئة الآثار من المنفذ ذاته 330 قطعة أثرية، وفي الحالتين تتنوع القطع بين تماثيل وشواهد قبورية ومخطوطات وعُملات وأختام، كما تتنوع الفترات التاريخية التي تعود إليها، وأيضاً تتنوع جنسيات المهربين بين إيطالي وفرنسي وسعودي وأسباني وأميركي ويمني.
ويشير مدير عام حماية الآثار والملكية الثقافية في الهيئة العامة للآثار إلى أن الهيئة رفعت 15 قضية بين 2004- 2007، مقارنة بالعام الماضي الذي نشط فيه عمل الهيئة ورفعت 8 قضايا، ضد 20 مهرباً، بينهم فرنسي يعمل مع شركة الغاز في بلحاف شبوة، والبقية جميعهم يمنيون.
قانون يشجع التهريب
لم يكن يعرف الخبير الجيولوجي الفرنسي، إيفس ألبرت /58 عاما/، أن أجهزة أمن مطار صنعاء ستضبطه وهو يريد العودة إلى بلده، وفي حوزته مجموعة تماثيل برونزية وعُملات نقدية أثرية.
لقد تم إحالة هذا الخبير إلى نيابة الآثار، ومن ثم المحكمة، غير أن القضاء برأه، بل وأقر إعادة المضبوطات إلى صاحبها! وعندها أقرت هيئة ونيابة الآثار استئناف الحُكم.
وليس ألبرت وحده من حصل على "حكم تشجيعي"- حد قول الجهات المعنية في إدارة حماية الآثار- فقبله كان العراقي شاكر إياد متهماً بتهريب وحيازة مئات القطع الأثرية الهامة، وقضت المحكمة بتغريمه عشرة آلاف ريال فقط، والإفراج عنه، وإلزام هيئة الآثار بدفع قيمة المضبوطات التي بحوزته، وأخذها!
ورغم صدور حكم استئنافي ضد المهرب الأردني سمير حماد جاد الله بسنتين سجن وغرامة مليوني ريال، إلا أن رئيس الهيئة العامة للآثار تمنّى "أحكاما أكثر قسوة وعقوبات أشد ضد مهربي الآثار".
فقانون الآثار رقم /8/ لسنة 1997، والذي ينظر إليه منتقدوه على أنه قانون "يدلل" المهربين والعابثين بآثار البلاد، ينص بند العقوبات فيه على معاقبة المتاجرين بالآثار بالسجن مدة لا تقل عن سنتين، ومعاقبة مهربي الآثار بالسجن مدة لا تقل عن 5 سنوات.
هنا، لا يتردد رئيس الهيئة العامة للآثار والمتاحف، الدكتور عبدالله باوزير، في الاعتراف بأن القانون النافذ للآثار "فيه الكثير من الثغرات والقصور" التي تحقق مقاصد "المجرمين"، فضلاً عن أن "أدوات الجريمة تتطور باستمرار" والقانون في ركود لا يواكبها.
وهذا في رأيه ما دفع الهيئة إلى "إعادة النظر في قانون الآثار، ليكون رادعا وحازما ويواكب تطوّر الجريمة في شقيها (التهريب والاتجار)، وكذلك التشويه والتدمير للمواقع الأثرية"، مؤكداً أن الأشهر القادمة ستشهد ميلاد التعديلات الجديدة للقانون النافذ، "التي نأمل أن تكون بالمستوى المطلوب، ورادعاً لكل من تسوّل له نفسه المساس بالتراث الوطني، واستعنا بالقوانين العربية والأجنبية".
ويعتقد الدكتور باوزير أن الثغرات والقصور في القانون النافذ "تتركز في بند العقوبات، أما بقية مواد القانون سليمة من العيوب".
ويعتبر باوزير إنشاء "محكمة الآثار ضرورة ملحة تفرضها الحاجة إلى مكافحة جرائم التهريب والتزوير، مثلها في ذلك مثل المحاكم النوعية: المحكمة التجارية ومحكمة الأموال العامة".
ولا يخفي باوزير انتقاده الحاد لكثير من الأحكام القضائية التي تصدر بحق من ثبت إدانتهم بتهريب الآثار أو الاتجار بها، ويصفها بـ"الأحكام الضعيفة والهزيلة"، مستثنياً من ذلك الحكم الصادر بحق مهرب الآثار الأردني سمير جاد الله، والقاضي بسجنه سنتين وتغريمه مليوني ريال، وحكم مماثل بحق اليمني المتعاون معه. يضيف "نأمل أن يستمر القضاء في إصدار مثل هذه الأحكام الرادعة والمسؤولة".
من جهته يرى الدكتور عبد الباسط الحكيمي، أستاذ القانون الجنائي في كلية الشريعة والقانون - جامعة صنعاء، أن قانون الآثار ساعد على انتشار جرائم نهب وتدمير المواقع الأثرية، "وذلك بإعطاء المواطن إلى ما قبل عام 1997 حق التملك للآثار وشجّعه على المتاجرة والتصرف بها في البيع والشراء والتصدير".
ويضيف الدكتور الحكيمي: "على الرغم من أن الآثار ملكية عامة إلا أن القانون قد أعطى المواطن في بداية الأمر الحق في تملّكها، كما خص قانون الآثار الأخير رقم /8/ لسنة 1997 الهيئة العامة للآثار والمتاحف وحدها بمسوؤلية حماية الآثار وصيانتها وترميمها، وهو ما أعطى الهيئة حق السماح لمالك العقار بالقيام بعملية الترميم والصيانة، زيادة عن عجزها في حماية المواقع الأثرية".
وينتقد الحكيمي النصوص العقابية التي نص عليها قانون الآثار الحالي، "ركيكة ولا تحقق الحماية الجنائية الكافية للآثار"، منوها إلى المــادة /40/ التي "اكتفت بفرض عقوبة الحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر أو بغرامة لا تتجاوز 15.000 ريال، أو بالعقوبتين معا لكل من حاز أثرا منقولا بالمخالفة لأحكام هذا القانون، أو خالف شروط الترخيص له في الحفر الأثري أو نقل بغير إذن كتابي صادر من الهيئة أثرا مملوكا للدولة أو نزعه من مكانه، حول المباني أو الأراضي الأثرية إلى مسكن أو حظيرة أو مصنع أو مخزن أو زرعها أو أعدها للزراعة أو غرس فيها أشجارا أو أقدم على الاعتداء عليها بأي صورة كانت مع إزالة ما أحدثه".
وينتقد، أيضا، انتقد الفقرة الثانية من المادة /39/ والمعدلة في القانون رقم /8/ الذي "اكتفى بمعاقبة كل من يهدم أو يتلف أو يزور عمداً أثراً منقولاً أو ثابتاً أو يشوّهه أو يغيّر أو يطمس معالمه أو يفصل جزءا منه أو يتعمد إخفاءه أو يشترك في ذلك بعقوبة الحبس لمدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، أو بغرامة مالية تساوي الأثر أو بالعقوبتين معاً".
ويشير إلى الفقرة الثانية من المادة "والتي عاقبت كل من سرق أثرا أو جزءا من أثر مملوك للدولة أو اشترك في ذلك بالعقوبات المنصوص عليها في أحكام الشريعة الإسلامية مع مصادرة جميع الأشياء المستخدمة في تنفيذ الجريمة لصالح صندوق دعم الآثار".
ويقول "الشريعة الإسلامية لا تعاقب في هذا البند بعقوبة الحد الشرعي، ولكنها تعاقب بعقوبة تعزيرية وهي الحبس مدة لا تزيد عن ثلاث سنوات، وذلك لوجود شبه الملكية العامة، والتي تسقط حد قطع يد السارق".
ويشير إلى "عدم قيام الهيئة العامة للآثار والمتاحف بمهامها سواء بتحديد المواقع والمناطق الأثرية وإحاطتها بسياج وفرض الحماية وفرض الحراسات اللازمة، خاصة وأنه قد مضى على تفويضها بذلك عقد كامل".
ويلفت إلى غياب الشرطة الأثرية "التي تٌُعنى بضبط وتتبع وملاحقة جرائم الآثار ومقترفيها، والتي ربما بسببها تعطل دور النيابة الوحيدة للآثار وتقديمهم للمحاكمة".
ويدعو الدكتور الحكيمي إلى "تعديل القانون بما يحقق الردع الكافي والفاعلية والحماية الجنائية الكاملة، وهو ما لا يتحقق إلا بتقديم مقترفي جرائم الآثار للمحاكمة، وإنزال العقوبات الصارمة والرادعة لهم. كما لا يتأتى ذلك كله إلا بوجود شرطة أثرية مدرّبة ومتخصصة تنقطع لأعمال ضبط المخالفات ومرتكبي جرائم الآثار بما يحقق الضبط والوقاية قبل وقوع الجريمة".
ويضيف "على الرغم من ركاكة النصوص العقابية التي فرضها القانون إلا أن هذا القانون بوضعه الحالي لم يفعّل حتى الآن، وهو ما استهان به المواطنون والشخصيات الاجتماعية والمسؤولة لتمارس أعمال النبش والنهب للآثار وتهريبها".
منازل (مقولة) متاحف شخصية
عبد الخالق مقولة
في قرية مقولة بسنحان /15 كيلومتراً جنوب شرق العاصمة صنعاء/ يقوم المواطن عبد القادر عبد الله غشام بجهود ذاتية وفردية في الحفاظ على الآثار عبر متحف بداخل منزله.
يقول غشام: "بعت سيارتي لأتمكن من الحفاظ على الآثار وقد خسرت أكثر من 3 ملايين ريال، بعد أن عثرت على بئر قديم بالقرب من منزلي، ووجدت فيه العديد من الأواني الفخارية والبرونزية وتماثيل".
يؤكد هذا المواطن أنه وجد "أعواد خشبية من خشب الصندل، توجد عليها كتابات بخط الزبور، تلفت بعد تعرضها للشمس، وتحكي هذه الأعواد حكايات دول قديمة، ويوضح ذلك دقّة النحت".
يكشف غشام أن أهالي قريته يمتلكون عشرات أضعاف ما يمتلك هو في منزله الذي حوله إلى متحف وبداخله حوالي ألف قطعة أثرية، موضوعة على مساحة لا تتجاوز الثلاثين مترا مربعا.
المتحف الذي أطلق عليه غشام "متحف مقولة" بعد موافقة الجهات الرسمية، لم يبادر بقية الأهالي لتسليم مقتنياتهم الأثرية إليه باستثناء هدايا بسيطة لا تُذكر.
ويرى أنه في حال إلزام الجهات المختصة للأهالي بحصر القطع الأثرية وإهدائها للمتحف الصغير في القرية فإنه "سيباهي المتحف الوطني".. لكنه يقول "هناك أشخاص يريدون مقابل القطع الأثرية مبالغ مالية، ونحن لا توجد لدينا إمكانيات مادية".
وهنا يتذكر غشام إحدى القطع الأثرية التي كانت من الرخام لتمثال وحيد القرن.. يقول "عثرت عليها عندما كنت أحفر أساس منزلي، وثناء زيارة أحد المسؤلين (....) أخذها ووعدني بأنه سوف يعيدها عندما يتأسس المتحف.. وإلى اليوم لم يعدها". ويضيف "هذه القطعة حجمها حوالي 20×30 سم من الحجر المرمر (الرخام) لتمثال وحيد القرن منحوتة بدقة عالية جدا، وتوجد تحتها كتابات بخط المسند، وقد شاهد هذه القطعة أحد الخبراء، وقال إن هذه القطعة تعود إلى الحضارة السبئية، وتشير الكتابة فيها إلى منع اصطياد وحيد القرن، وذلك للحفاظ عليه من الانقراض، خاصة بعد أن واجه حملة شرسة من التجّار بهدف استخدام قرنه في صناعة الخناجر، والتي ما زالت رائجة حتى اليوم، وتسمى الجنبية".
جبل أثري منهوب:
قرية "مقولة" التي ينحدر منها المواطن غشام تقع في منطقة أثرية يجاورها جبل يسمى "كُنن"، وهو جبل مقدس مشهور منذ عصور ما قبل الإسلام، بدأت شهرته في القرن الأول الميلادي، وارتبطت بشهرة قبيلة "ذي جرت" -ذي جرةـ التي اتخذته كحاضرة لها إلى جانب مدينة "نعض" القديمة التي يحتضنها الجبل في جهته الغربية .
تتعرض آثار هذا الجبل للنهب.. يقول غشام "عملية الحفر العشوائي والتي يقوم بها أشخاص في جبل كُنن الذي يقع جنوب القرية، ويبعد حوالي 5 كيلومترات تقريبا، تعد من أكبر المشاكل التي تواجه الآثار في اليمن بشكل عام، والتي تجعل هذه الآثار عُرضة للبيع.. لقد قُمت بإبلاغ الهيئة العامة للآثار، وقد تجاوب معنا رئيس الهيئة، الدكتور عبد الله باوزير، وقام بإرسالي بصحبة شخص آخر، وأبلغنا المناطق المجاورة للمنطقة المعرّضة للحفر العشوائي، بإبلاغنا في حال شاهدوا أعمال حفريات".
المواطن علي محمد يقول من جهته: "هناك أشخاص قاموا بحفر عدّة مناطق في القرية القديمة للبحث عن الآثار واستمرت حوالي ثلاثة شهور، وتم العثور على العديد من الأواني الفخارية وتماثيل برونز ومومياء، إلا أنه، وبسبب العشوائية في الحفر تعرّضت هذه الآثار للضياع".
ويضيف: "في منطقة يطلق عليها اسم يفعان، شمال القرية، تم العثور على مومياوات محنطة، وتم رميها بعد العثور عليها، وكذلك تم العثور على العديد من الأواني الفخارية في المنطقة، وذلك عند الحفر في الجبال القريبة، حيث كان القدماء يقومون بوضع كل ما يمتلكون بالقرب من الميت، ويوضح ذلك الحفريات والمعافد (مقابر جماعية تحفر في الصخور) التي حفرت من قبل أهالي القرية".
يقول المواطن مبارك ناصر: هناك حفريات قام بها أناس مجهولون وأخرى قام بها أهالي المنطقة والمناطق المجاورة في العديد من المناطق غربي القرية خاصة في المنطقة التي كانت تتواجد بها مدينة "ذي جرة"، والتي ما زالت آثارها باقية، امتدادا من "سيّان" ومرورا بـ"مقولة" وصولا إلى "نعض".
ويؤكد مبارك أنه في منطقة "حصن القادر" غربي القرية وجدوا آثارا قديمة وأحجارا مكتوبة.. "أكيد ذهبت للاتجار بها، خاصة أن التجارة في الآثار أصبحت رائجة".
فقدان ثقة:
يتميز أهالي قرية "مقولة"، والقُرى المجاورة، بحبهم الشديد للآثار، فهناك الكثير ممن يحتفظ بقطع أثرية تزيّن مجالس منازلهم.. يقول المواطن قايد أحمد مقولة، والذي يحتفظ بالعديد من القطع الأثرية في منزله: "أحتفظ بهذه الآثار، وهناك أناس آخرون مثلي؛ لأننا نعرف قيمتها التاريخية، وهذا عمل وطني، يجب أن يتحلى به الجميع" .
ويضيف "أحتفظ بتمثال والعديد من الأحجار والأواني الفخارية وأحجار تماثيل لرؤوس الوعل، والتي ترمز للقوة وغيرها، وقد قمت بعرضها على العديد من الباحثين والمهتمين، حتى تكون موثّقة ومصوّرة ويعرفها الجميع.. لأن من يقوم بعملية المتاجرة بالآثار يقوم بالحصول عليها وإخفائها عن أعين الناس".
لم يكن دافع الكثيرين من أبناء قرية "مقولة" الاحتفاظ بالآثار في منازلهم سوى نتيجة لانعدام الثقة في الجهات المفترض أن تحتفظ بهذه الآثار.
يقول المواطن عبد القادر عبد الله: "هناك أشخاص من القرية أهدوا أحد المتاحف العديد من القطع الأثرية، ولم تُعرض هذه القطع في المتحف، وذلك يثير الشك لدى الكثير". يضيف "لقد أهدى والدي في نهاية السبعينيات تمثالا إلى متحف معروف وكبير.. وقد بحثت عنه فلم أجده.. وأخبروني أنه في المخازن.. هل من المعقول أن يظل في المخازن منذ نهاية السبعينيات حتى اليوم، وهو عبارة عن قطعة أثرية سليمة لا تحتاج إلى ترميم" .
يقول المواطن أحمد ناصر ناجي "أنا أهديت المتحف قطعة أثرية عثرت عليها غربي القرية، وهي عبارة عن أسد ورجل يتقاتلان، والأسد ماسك برأس الرجل بينما الرجل طاعن الأسد بخنجره في البطن، والمنطقة التي عثرت فيها على هذه القطعة كانت مكان حصن قديم يطلق عليه اسم حصن الخنجر، وأعتقد أنه أطلق عليه اسم حصن الخنجر؛ لأن صاحبه كان يستطيع قتال الأسود بخنجره، وذلك ما توضحه القطعة الأثرية.. للأسف لقد أهديت هذه القطعة، التي لا تُقدر بثمن للمتحف؛ للحفاظ عليها، إلا أنه ثبت العكس، وذهبت بعد أسبوع إلى المتحف وقلت أين القطعة؟؛ لكي أتأكد، هل كتبوا اسمي تحتها، ولكني لم أجدها. بعدها عثرت على العديد من القطع، ولكن لم أعد أثق بالمتحف" .
ويشير أهالي القرية إلى أن القطع الأثرية التي وجدوها وما زالت موجودة في المتحف هي تلك التي أهدوها لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية، في يوليو عام 2005.. وهي عبارة عن 40 قطعة مصنوعة من البرونز والخزف، تُمثّل أواني وجنابي، ورؤوسا ورماحا وتمثالا لجمل".
إهمال تراكمي:
عام 1995 تبنّت جامعة صنعاء بعض الحفريات الأثرية في منطقة "مقولة"، ولم يستمر المشروع، فقد أصبحت عُرضة للإهمال.. وتم تحويل غالبيتها إلى أماكن لرمي القمامة، وتم تحويل النّفق الذي يربط الحصن الأثري في المنطقة ببئر إلى مجاري.
يقول أهالي القرية إن النفق الأثري يحتوي على العديد من الآثار، بالإضافة إلى مميزات تمتاز بها عمارته، حيث تغطّيه أحجار كبيرة يتجاوز طول الحجر ثلاثة أمتار، ومحفور في الأرض بطريقة إستراتيجية، ومغطى بحوالي 5 أمتار بالتراب، حتى يستطيع سكان القصر جلب الماء من البئر إلى الحصن في أشد الأوقات.
وكان فريق يمني، يضم اختصاصيين من الهيئة العامة للآثار والمتاحف والمخطوطات وجامعة صنعاء، قد تمكن من الكشف عن آثار لمدينة متكاملة، كانت مقراً لكبار الشخصيات والأعيان في الدولتين السبئية والحميرية، ويعود تاريخها إلى القرن الميلادي الأول.
وبحسب تصريحات سابقة للدكتور يوسف محمد عبد اللّه، رئيس الهيئة العامة للآثار سابقا، فإن "مقولة" هي مفردة قديمة، وتعني "المدينة التي كانت مقراً للأقيال أو الأقوال"، وهم عليّة القوم وكبار الشخصيات والأعيان، في دولتي سبأ وحمير. وأردف: إن الدراسات الأولية التي أجريت على المخلفات الأثرية، تشير إلى أن مدينة "مقولة" اشتهرت في القرن الأول الميلادي كمقر للأقيال، وهي تابعة كمنطقة "مخلاف مقر أقيال ذي جرة"، الذين وصل بعضهم إلى كرسي العرش وسدة الحكم في مارب، ويضم المخلاف عدداً من المُدن التاريخية المشهورة، أبرزها: "السريين"، "لغض"، "سيان غيمان"، وأخيرا "مقول".
وقد أسفرت الحفريات الأثرية التي قام بها قسم الآثار في جامعة صنعاء، عامي 97 – 1998، عن اكتشاف موقع هام يعود تاريخه إلى فترة ما قبل الإسلام، حيث عُثر على أساسات لمبنى ضخم يعتقد أنه أحد معابد الآلهة القديمة أو أنه أحد قصور الحكام الذين كانوا يحكمون في هذه المنطقة، أولئك الحكام الذين كانوا يمتازون بالدهاء الفطري.
وقد عاش اليمن آنذاك في رخاء وازدهار الأمر الذي أدى إلى عُمران تلك المباني الضخمة، التي عكست مدى تطور الفنون المعمارية، فقد نحتت أحجار هذا الموقع بعناية ومهارة فائقة، كشفت الحفريات عن أواني فخارية كبيرة كانت تستخدم على الأغلب لخزن الحبوب، المُؤن الحياتية، وغيرها. ووجود مثل تلك الأواني الضخمة يدل ـأيضاًـ على مدى الرخاء الاقتصادي الذي كانت تعيش فيه هذه المنطقة، والذي لن يأتي إلا بوجود الحكّام الأقوياء الذين استطاعوا أن يوفّروا لمنطقتهم الأمن والاستقرار المعيشي، في الوقت الذي كانت تدُور فيه رحى الحروب في كافة الأراضي المجاورة لها، مثل حروب السبئيين مع الحميريين، والسبئيين مع القتبانيين...الخ.
وكانت وزارة الثقافة والسياحة أعلنت في سبتمبر، عام 2005، عن بدء لجنة علمية في الحفـاظ على آثار مقولة وكشف أسرارها التاريخية، وذلك من خلال تنفيذ مشروع دراسة توثيقية وأثرية شاملة، وهو ما ينتظره الأهالي هناك.