بعض مآثر البجاحة القبلية والحياء المدني! (1–2)
بقلم/ أحمد شوقي أحمد
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و يومين
الإثنين 16 يوليو-تموز 2012 07:25 م

باعتباري لستُ صومالياً، فسأسمح لنفسي بالحديث عن شئون المدنيين والقبائل، كوني من قبيلة لها تاريخ ثوري؛ يجعلني أسعى – بنفس الوقت – للانتقام من قبليَّتي "وليس قبيلتي" بادعاء الانتماء للمدينة التي لا زلت أكافح حتى أكون أحد أبنائها، بادِئاً كفاحي بشطب اسم القبيلة (اللقب)، ولا أدري أين سينتهي هذا الكفاح حتى يتوب الله عليّ وأُصبح مواطناً مدنياً خالصاً..!

هذه المُقدمة مدخَل لإضفاء شرعيَّة سمجة على حديث مرير؛ عن القبيلة والمدنية، وفروق سلوكيَّة لم ننتبِه لها فأوقعنا هذا الجهل في شرك الادعاءات الفجة والكاذبة، قبليةً كانت أو مدنية!

لستُ ضد القبيلة لذاتها، ولا ضدّ القبيلي، وباعتباري قبيلي فهذا الانتماء مدعاةِ شرفٍ لي؛ لكن في القرن الخامس ميلادية، أيام الغساسنة والمناذرة.. أما اليوم، فلا أرى في القبيلة "كعقلية وإرث" أيَّ دليلٍ على الشرف، سوى أننا نتعامى – بصدق – عن تخلفنا التاريخي الذي أخشى أن يستمر حتى يلعننا الشجر والحجر على هذه التناحة المبدئية إخلاصاً لأخلاق البداوة، والتناحر، والحروب، وقطع الطرق، والسلب، والحيونة!

كثيرون يتحججون علينا بكرم أخلاق القبيلي، وشهامته، ونجدته، وشجاعته، وأمانته، وصدقه، ووفاءه، وحمولة ثقيلة من الثناءات والإطنابات لقيم مُرتجلة وخيالية! لكن وعلى افتراض أن هذه القيم صحيحة – وهذا ليس صحيحاً – فإنني أريد أن أسألكم سؤالاً: ما قيمة الأخلاق في القبيلة بموازاة السيادة؟! ودعوني أجيب: إن مكارم الأخلاق، مهما علا شأنها لدى قبيلةٍ من القبائل، لن يكون لها أي فائدة إذا ما كانت هذه القبيلة ضعيفة، وبالتالي فسيجري عليها بطش القبيلة الأقوى، وستصبح القبيلة الأقوى هي المثال الأعظم لمكارم الأخلاق وللشهامة والعظمة البدوية، أو القبلية إن شئتم، وهذا يعني بوضوح – قطعياً من حيث المبدأ – أن ما يسمى بالأخلاق القبلية ليس لها أي وزن بموازاة القوة والسيادة، وفي صراع من هذا النوع الذي أسلفت فإن الفوز والسيادة سيكونان لذوي القوة، عديمي الأخلاق بكل تأكيد!

إذن فعظمة قبيلةٍ تكمُن في القوة والسيادة وليست في الأخلاق كما يزعمون، هل سمعتم عن تمجيد قبائل ضعيفة ابتهاجاً بأخلاق أبنائها؟! وهل سمعتُم بقبائل ضعيفة وكريمة الخلال لم تتعرض للغزو والسلب والضيم؟!

أما تلك النماذج الأخلاقية التي يفخرون بها عبر التاريخ العربي، فإن فيها شوائب تطعنُ في أخلاقها وشرفها، فمن الكرماء من كانوا قاطعي طُرق وناهبي قوافل، ومنهم من كانوا جبارين قتلة، ومن فحول الشعراء والخطباء يجيء المتملقون والمنافقون والمداحون والمرتزقةّ! ومنهم الغادرون والمرضى بالأحقاد والمتعطشين للدماء.. وبطبيعة الحال العنصريون والسلاليون.. الذين أبطلوا دين الله، وجيروه لعصبيتهم وقبليَّتهم.. فأيُّ أخلاقٍ نفاخرُ بها، وأيُّ هزئ نظنُّهُ عجباً!

وهكذا توارثت العقلية القبلية الجوعَ والأنفة وضمور الوازع.. فأصبح القتل للنهب جهاداً، وأصبح الطفيليونَ ضيوفاً! والمرتزقة مناصرين! وصار القبيلي – في بعض حالاته – عاطلاً عن كل شيء إلا عن السلاح والفيد! فعلا شأنُ الوحش، وتضاءل الإنسان بداخلنا..

بل ومما يثلم القلب أن تكون اليمن، واحدةً من هذه البلدان التي تضاءل فيها الإنسان لصالح الوحش، ففي عصور النهضة الإسلامية أصبح اليمنيون – بناة السدود وناطحات السحاب وعلماء الزراعة وبناة المعابد وأصحاب الحضارة – أصبحوا مجرد عسكر ومقاتلين في جيش الدولة الإسلامية! بل ينفطر قلب المرء حينما لا يجد قادة جيوش إسلامية من اليمنيين إلا قِلة! ومن برع منهم في الكيمياء كجابر بن حيان أو في الشعر كالمتنبي "على ندرتهم" فإن أصولهم اليمانية بعيدة وبحاجة للبحث كما أن اليمن لم تكن حاضنتهم التي برعوا في كنفها!

يا الله!! أين تلك الحضارة التي نتباهى بها ليل نهار.. وهل هذا هو دورنا التاريخي في عصور النهضة العربية والإسلامية، أن نكون مجرد عسكر في جيش الدولة، أو "عكفة" كما نقول باليمني الفصيح؟!

لماذا أصبحنا عكفة؟ وأين ذهب ذلك الإرث الحضاري الكبير؟ ولماذا وصلنا لهذا الحال من التخلف والجهل؟ أسئلة صعبة، وغيرها أصعَب.. سأدعكم لتفكروا فيها وتجيبوا، بالحدس، بالمعلومة.. أو كيفما شئتم، وسأنطلق لمناقشة الجزء الثاني من هذه المقالة عن مآثر البجاحة القبلية والحياء المدني!

Alahmdi2002@hotmail.com