آخر الاخبار

شاهد الأهداف.. مباراة كبيرة لليمن رغم الخسارة من السعودية مصادر بريطانية تكشف كيف تهاوى مخطط تشكيل التوازنات الإقليمية بعد سقوط نظام الأسد وتبخر مشروع ثلاث دول سورية توجيه عاجل من مكتب الصحة بالعاصمة صنعاء برفع جاهزية المستشفيات وبنوك الدم وتجهيز سيارات الإسعاف ما حقيقة خصخصة قطاعات شركة بترومسيلة للاستكشاف النفطية في اليمن أبرز خطوة رسمية لتعزيز الوسطية والاعتدال في الخطاب الديني في اليمن وزير الأوقاف يفتتح أكاديمية الإرشاد مدير عام شرطة مأرب يطالب برفع الجاهزية الأمنية وحسن التعامل مع المواطنين أردوغان في تصريح ناري يحمل الموت والحرب يتوعد أكراد سوريا بدفنهم مع أسلحتهم إذا لم يسلموا السلاح عاجل: محكمة في عدن تبرئ الصحفي أحمد ماهر وتحكم بإطلاق سراحه فوراً الاستهداف الإسرائيلي للبنية التحتية في اليمن يخدم الحوثيين ... الإقتصاديون يكشفون الذرائع الحوثية الإدارة السورية الجديدة توجه أول تحذير لإيران رداً على تصريحات خامنئي.. ماذا قال؟

حبوب منع الفساد
بقلم/ حسين السقاف
نشر منذ: 13 سنة و 3 أشهر و 13 يوماً
الأحد 11 سبتمبر-أيلول 2011 08:47 م

درس فيصل في جامعة ( أوهايو ) ، كانت دراسته الثمرة الوحيدة التي استطاع والده تنميتها من وظيفته كمدير للتموين الدوائي بوزارة الصحة، غير إنه حتى هذه لم يستطع الوالد إكمالها بسبب موته في السجن على ذمة قضية استيراد أدوية فاسدة، اضطر فيصل إلى العمل خلال الفترة المسائية في أحد المطاعم في مدينة أوهايو، للتمكن من الوفاء بلوازم سنته الدراسية الأخيرة .. حاز فيصل شهادة الماجستير بامتياز في العلوم الصيدلانية حتى ان زملاءه أطلقوا عليه لقب (ابن البيطار)..

فضّل فيصل العودة إلى وطنه رغم كل المغريات بالبقاء في الولايات المتحدة.

****

تقدم فيصل في بَلده لدى وزارة الصحة بطلب العمل، غير أن طلبه جُوبهَ بالرفض على خلفية قضية والده ، مما أثار حزنه على أبيه خاصة وإن أمه أكدت له مؤخرا بأن والده لم يمرر تلك الصفقة التي اُتهم بها رغم التهديدات بتمريرها.

 بدت الحياة مكشرة عن أنيابها لفيصل ، لم يكن لديه ما يقيم به أوده مع أمه، كل ما ورثاه من الأب هو منـزل صغير شبه عار من الأثاث ، كمنازل غالبية الرعويين .

مستحقات نهاية الخدمة لوالده لم تسلم بسبب صدور حكم قضائي بات بحقه .. مضت على فيصل سنتان يبحث عن وظيفة كان خلالها أشبه بمن يريد الإمساك بسراب ، لجأ إلى مباشرة أعمال شاقة عليه، كان يحمل مطرقةً وإزميلاً وسلة ، منتظراً في الشارع العام مع زمر العاطلين لاقتناص فرصة عمل.

* * *

في وقت متأخر من الليل كانت أمه تقول له:

- يا بُنيّ إنها الثالثة صباحاً... وأنت لم تنم بعد.

- ماذا أصنع يا أماه ، أشعر بالقهر ومرارة الفشل ..

طرق لحظة صامتاً ثم قال بصوت تخنقه العبرات :

- أتأتين معي إلى أمريكا ؟

- أمريكا!!.

- أجل .. فهناك عدد من عروض العمل التي قدمت لي بعد تخرجي.

- ولكن والدك أوصى من سجنه بأن تخدم بلدك لا أمريكا.

- أدرك ماذا يعني أبي .. كثيراً ما يزورني طيفه ليقول لي: (عالج بلدك من الفساد قبل أن يأتي على كل شيء).

- لكن والدك دفع حياته ثمناً لأفكاره العنيدة هذه.

 كانت بنات عينيها تتساقط عند ما أردفت:

- لا استطيع أن أتحمل فقدك أيضاً...إنني أتذكر بمرارة عند ما كانوا يجرجرون والدك في المحاكم وهو نظيف اليدين كانت دموعها تنساب وهي تردف: أتمنى الموت قبل ذلك اليوم الذي تكون فيه مثل ذبابة في حبائلهم العنكبوتية..

توقفت لحظة كمن تذكر شيئاً فأضافت وهي تُغمض عينيها وكأنها تبلع علقماً:

- فليبارك الله ذهابك إلى أمريكا..سكتت قليلاً لتضيف بنفس المرارة :بلد الجنيب العادل خير من بلد القريب الظالم.

***

في صبيحة اليوم التالي ذهب فيصل إلى أحد مقاهي الانترنت ليكتب خطاباً.

بعد أسبوع وجد في بريده الالكتروني العديد من عروض العمل الجديدة من المختبرات والمعامل الصيدلانية التي أعطته عروضها.

***

في أمريكا كان فيصل منهمكاً في عمله وفي أبحاثه الخاصة بمستحضره الطبي.كان طيف والده كثيراً ما يحضر ه وهو يقوم بذلك.

بعد جهود مضنية أراد أن يأخذ ذلك المستحضر حظه من الدراسات الأكاديمية الميدانية، إلا أن البروفسور الذي أشرف على رسالته في الماجستير قال له:

- أنت شرقي... تستحسن أن تمضي في أبحاثه هذه بشكل غير رسمي وإلا عرضت نفسه للخطر.. تستطيع الرجوع إليَّ في أي وقت.

كان فيصل يتابع في الصحافة الأمريكية وبالخصوص الصحافة الالكترونية أسماء المؤسسات والهيئات المتعثرة بسبب الفساد . كان يذهب إليها ليُجرّب مستحضره على موظفيها ، ويدوَّن ما يطرأ على هذه المؤسسات من تغير على مستوى الواقع وعلى المستوى الإعلامي ومن خلال مواقع هيئات محاربة الفساد والشفافية . كانت النتائج بحق مذهلة. حققت هذه المؤسسات معدلات نمو ممتازة.

***

برغم استقرار فيصل وأمه في أمريكا البلد التي لا تعرف أمه لغتها إلا أنها كانت تشعر بالسعادة والأمان ، في الزيارات الأخيرة لطيف والده كان يقول له:

- أصبح في يدك ما تحارب به الفساد .. ارحل على بركة الله.. لا تتأخر في إنقاذ وطنك.

من أجل ذلك عاد فيصل إلى وطنه.

***

في منزله الصغير وفي وقت متأخر من الليل كانت الأم تقول لفيصل في لهجة استنكارية:

- أراك كثير التخزين للقات!!...أصبح ذلك يومياً .

- يجب عليَّ تنفيذ وصيَّة والدي بإزالة الوحل

- ولكنك أصبحت تخوض فيه!

- حتى أزيل الوحل ..عليَّ أن أخوض فيه!

***

كان فيصل يرتاد "مقايل" عِلية القوم ، يسترق غفلةً منهم ليسكب من مستحضره في ما يحتسون من مشروب.

ثمة تغيرات تطرأ على هؤلاء في حياتهم الخاصة والمهنية ، ثمة تغيرات مذهلة تطرأ على مؤسساتهم ومرافقهم . تخلخلت الكثير من مراكز القوى ودب الخلاف بينها ، حتى أن وزير الأراضي وفي حالة تجلٍ بعد تعاطيه جرعة من العقار ، صرح بأن لديه ثلاثة مليارات ( دولار ) يقوم بتبييضها في بانكوك سيعيدها إلى المال العام ، وهي حصته من مرافق القطاع العام و الأراضي التي باعها في الولايات الجديدة ، قال بأنه: سيعمل على تفكيك عصابتين أحداهما تسطو على المنازل وأخري على السيارات في هذه الولايات، بيدَ أنه في صبيحة اليوم التالي أذيع بيان نعيه (لوفاته بالسكتة القلبية بحسب البيان الذي استعرض لمحة عن حياته التي قضى معظمها في خدمة الوطن).

***

تمضي الأيام ونتائج العقار تفرض نفسها على اقتصاد البلد، تداولت الصحافة المحلية تطورات طفرة معدلات النمو التي تشهدها البلد، لم تجد الصحافة والمحللون الاقتصاديون سبباً علمياً لذلك رغم معرفتهم باستقامة عدد من المسئولين الذين عزَفوا عن الفساد، بعد أن كانوا يعزِفون عليه ، لم يجدوا التفسير العلمي لتلك الظاهرة الغريبة .. عرض فيصل على أحد كبار المسئولين تبني عقاره.

تحت تأثير العقار صدر قرارٌ بإلزام جميع العاملين في جهاز الدولة ، بأخذ حقنة شهرية من العقار، كلفت وزارتي الخدمة والصحة بالإشراف على تنفيذ هذا القرار ، تحققت معدلات نمو ممتازة، وتحقق شعار ( ثمان ساعات عمل لا ثمان ساعات في العمل ) ، تضاعفت مرتبات العاملين رغم عدم زيادة مخصصات الباب الأول ، تفجرت القدرات والطاقات الإبداعية للموظفين لشعورهم بالأمان ، أصبح القضاء حراً مستقلاً لا يقبل الإملاءات ،أعيدت الكثير من الحقوق والأراضي و الأملاك المغصوبة لأهلها ، لم تعد الأحكام شبيهة بـ (رولات الفاكس الحرارية ) أصبحت تحتوي ما قل ودل، تم إعادة النظر في كثير من الأحكام التي لم تأخذ شروطها الإجرائية و الفنية.. وكان نتيجة ذلك أن صدر حكم ببراءة ( أبو فيصل ) أصبح الناس ينظرون إلى المسئولين باحترام وتقدير ومحبة، تساقطت الصور التي لوحتها الشمس من على الجدران لتحل في قلوب الناس، أصبحت مصدر آمان بعد كانت مصدر قلق، فما كان من الناس إلا أن أكرموا تلك الصور بأن أدخلوها من الشوارع إلى منازلهم لتتصدر غرف الاستقبال في كل المنازل، تهافتت الشركات الاستثمارية على البلد، طالبت المنظمات الدولية المختصة الاستفادة من تجربة البلد في مكافحة الفساد.

لم يتبقى من الفساد إلا ذيله لولا أن بعض كبار المسئولين امتنعوا عن تعاطي هذه الحقنة ، منحهم النائب العام إعفاءات باعتبارهم أصحاب مراكز عليا لا ترقى الشبهات إليهم ، كثرت هذه التراخيص، تسابق على حيازتها الموظفون حتى صار أمر امتلاكها نوع من ( السَمَاخة ). مضت سنتان على ذلك الحال غير أنه أصبح بعد ذلك بمقدور بعض كبار الموظفين التخلص من تناول هذا العقار. ولم تعد ترفع قضايا مال عام إلا على عمال الخدمات والحرفيين وصغار الموظفين فهناك قضية سرقة مروحة سقف وهناك قضية سرقة ماسورة ماء مستخدمة .. أصبحت النيابة تجري مقاولات الوقيعة بالخصوم في أطار الوظيفة العامة..!

تشكل تيار قوي من المعارضة و السلطة معاً لمحاربة هذا العقار، تعرض عقار فيصل لهجمة من بعض خطباء المساجد الذين اعتبروا العقار بدعة ضالة وتدخلا في الفطرة التي فطر عليها الإنسان وأن على المؤمن أن يحجبه دينه عن المال الحرام لا عقاراً ينتج في الغرب، شاركتهم في ذلك بعض الصحف التي اتهمت هذا الدواء بأنه يمنع النسل، صدر أمرٌ باعتقال فيصل بتهمة صناعة وترويج مركبات ممنوعة. لصقت الكثير من الملصقات المعادية لهذا العقار.كلفت المدارس الدينية بشن حملة إرشادية للتوعية بخطورة المستحضر.

حدد موعد محاكمة فيصل تابع الجميع باهتمام وبتعاطف بالغين جلسات هذه المحاكمة. نشر بعض الموظفين الذين أقصوا من وظائفهم تجربتهم الايجابية مع هذا العقار.

 عداً هو يوم النطق بالحكم في هذه القضية .كانت أم فيصل مرعوبة من شبح أن يلاقي فيصل مصير والده .كانت تتمني أن لا تطلع عليها شمس الغد حتى لا تُفجع في ابنها. .لم تنم ليلتها على الإطلاق باتت تنتحب وتناجي ربها بأن يصرف كيد الفاسدين عن ابنها لتعود معه إلى الولايات المتحدة دون رجعة.

في صبيحة اليوم التالي في مبنى المحاكمة الضخم انعقدت جلسة المحاكمة بعد أن اكتمل نصاب الهيئة القضائية في المنصة الأمامية وبعد ان حضر عددٌ من الصحفيين وممثلي وكالات الأنباء المحلية والأجنبية، لتعج الصالة بمن فيها.

في البوفيه الملاصقة لصالة المحكمة أخذ عامل الخدمات المنادي على القضايا بوضع قطرات من علبة كانت في جيبه في الشاي الذي أخذه لأفراد الهيئة القضائية في المنصة.

بدا جميع من كان في الصالة في حالة صمت وترقب شديدين. ثمة سيدة تجلس على احد الكراسي القريبة من قفص الاتهام كانت شفتاها تتمتم بكلمات صامتة في حين كانت بنات عينيها تنهمر على خديها وهي ترنو إلى المتهم في القفص..كانت تمر بها أطيافٌ من الماضي وشخوصه.

أخيراً وفي جو من القلق والترقب الذي طال تتبعه من قبل كل الناس لختم جلسات لهذه الهيئة القضائية بدا القاضي يتشاور مع القاضيين على يمينه وشماله وما إن أتم ذلك حتى تنحنح ثم تلفَّظ بالحكم قائلاً:

لا وجه لإقامة الدعوى ضد فيصل....طالب منطوق الحكم بإلزام جميع منتسبي القطاعين الخاص و العام في الدرجات العليا باستمرار تعاطي عقار فيصل كشرط أساسي لاستمرارهم في وظائفهم ...هتفت الصالة: الله أكبر..الله أكبر.. يحي العدل و يسقط الفساد ..في حين التفَّ حول فيصل حشدٌ من الحضور كما يلتف أفراد النحل حول ملكتهم. جابت هذه الحشود -التي يتضاعف عددها - شوارع العاصمة.. ألغيت كل الإعفاءات من تناول العقار.. واعتبر يوم صدور الحكم يوماً وطنياً ..سمي (بيوم الحكمة).

hhsaggaf@yahoo.com