من دخل دبي فهو آمن
بقلم/ عبدالباسط الحبيشي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و يومين
الثلاثاء 09 مارس - آذار 2010 01:10 م
 

إغتيال القائد الفلسطيني الشهيد محمود المبحوح في 19 يناير الماضي وكشف خيوط مؤامرة الإغتيال بهذه الطريقة التفصيلية الفاضحة وبهذه السرعة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ عالم الإغتيالات ، لم تضع في حقيقة الأمر الجناة المتورطين بهذه الجريمة من مخابرات إسرائيلية وأوروبية في حالة إتهام ومسائلة جنائية دولية فحسب ، بل أنها سلطت الضوء على أنظمتنا العربية ووضعتها في محل غاية في الحرج والإستنكار لدرجة أن معظم الإعلام العربي الرسمي لم ينبس بشفه وكأن هذه القضية الخطيرة جداً لا تعنيه لا من قريب ولا من بعيد.

غلطة جهاز الموساد الحقيقية والوحيدة والقاتلة ليست الطريقة التقليدية أو الهابطة التي إستخدمها في عملية الإغتيال كونه قد تعود عليها مئات المرات وأثبت في كل مرة أنها ناجحة ، بل هي في تجاهله لحقيقة منطقة دبي كمدينة هامة من المدن الرأسمالية الصاعدة ، وكتجربة رأسمالية جديدة وناجحة بالمفهوم الرأسمالي العالمي الجديد ، وأن إرتكاب جريمة الإغتيال في هذه المدينة هي بمثابة إنتهاك لمنطقة "وول ستريت" المالية في مدينة نيويورك التي لا تسمح الولايات المتحدة نفسها بوقوعها.

ومع ذلك نستطيع القول بأن جهاز دبي الأمني الذي حقق إنجازاً أمنياً رائعاً ، نزع اللثام بقصد أو بدون قصد عن وجوه الجميع وقال لهم هذه هي الحقيقة وبالأدلة الدامغة ، فماذا أنتم فاعلون؟ المشكلة التي أختلطت علينا نحن كعرب هي أننا أعتقدنا أن أهمية الجريمة تكمن في إغتيال القائد الفلسطيني العربي محمود المبحوح ، كمناضل وشهيد فلسطيني عربي من قبل الكيان الصهيوني ، لكنها ليست كذلك ، بل أهمية الجريمة تكمن في وقوعها في حرم رأسمالي مقدس وهي مدينة (دبي) وهذا غير مقبول رأسمالياً. لذلك تم الكشف عن كامل خيوط العملية كعقاب متعمد للكيان الصهيوني وجهازه الموساد الذي تجاوز الخطوط الحمراء وتطاول على أسياده بإرتكاب هذه الغلطة الشنيعة بحقهم والذي كما يبدو لم يبلغ الأطراف المعنية بمكانها رغم إبلاغهم بالقيام بها مسبقاً كما أعترف الموساد بذلك عند طلبه الإذن من بريطانيا بإستخدام جوازات سفرها ، ومن هنا وجد الجهاز الأمني لدبي إشارة الضوء الأخضر مفتوحة له للسير والمتابعة والتحقيق إلى أن تطلع له إشارة الضوء الأحمر بالتوقف.

ومع ذلك بالنسبة لنا كشعوب عربية فقد منح لنا هذا الجهاز الإماراتي الرائع فرصة لن يجود الزمان بمثلها لنقوم بإستعادة الشريط الطويل لتاريخ المئات من عمليات الإغتيالات للشخصيات العربية مروراً بأبوا إياد وأبو جهاد ومغنية وياسرعرفات ورفيق الحريري وحتى الأشخاص الذين قتلوا في تحطم طائرة البوينغ 767 في 1999 التابعة لمصر للطيران رحلة رقم 990 بقيادة الشهيد الطيار البطوطي الذي أتهم لاحقاً بالإنتحار ، قبالة ساحل ماساتشوستس الأميركي التي راح ضحيتها 217 شخصاً بينهم وفد عسكري مصري من 33 فرداً وثلاثة خبراء ذرة وغيرها من الحوادث الغامضة ، بإلإضافة إلى الكثير الإغتيالات التي راح ضحيتها العديد من الزعماء والقادة والسياسيين والصحافيين الذين ذهبوا بنفس أسلوب الغدر والخيانة والإجرام ولم نجد لهم مُطالب غير أهلهم وذويهم وكأن إهدار دمائنا ليست من مهام أنظمتنا العربية.

تلويح العقيد ضاحي خلفان برفع مذكرة للشرطة الدولية بملاحقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مخابراته مائير داغان على أهميتها ، إجراء ينبغي أن لا يتوقف عند هذا الحد بل تصعيده وإستغلاله حتى يتم تحقيق العدالة ولو حتى في هذه الجزئية الصغيرة من الممارسات العدوانية والوحشية الصهيونية المستمرة منذ قيام الكيان الصهيوني كي يشكل رادعاً ولو معنوياً حتى لا نرى في المستقبل القريب بأن منفذي هذه الجريمة قد أصبحوا يتنافسون على مقعد رئاسة الوزراء الإسرائيلي في المستقبل كما هو الحال بأسلافهم رؤوساء وزارات إسرائيل الذين تبوأو هذه المناصب عرفانا لهم بجرائم الإغتيالات السابقة كما هو معروف ونراهم يصولون ويجولون ويرتكبون المجازر أمام أعيننا في غزة وجنوب لبنان وغيرها حتى الآن غير عابئين بالنتائج لغياب من يطالب بالحقوق العربية.

لذا كيف نستطيع نحن كشعوب أن نطالب غيرنا بإحترام حقوق حياتنا في الوقت الذي تقوم أنظمتنا نفسها بإنتهاك هذه الحقوق فضلاً عن مساعدة الغير في المزيد من إنتهاكها! لدرجة أن الدول الغربية التي تُحَرم قوانينها التعذيب أو القتل داخل حدودها تستعين بإنظمتنا للقيام بهذه المهمة ضدنا نيابةً عنها ، في الوقت الذي يفترض منها أن تحمينا وأن تقوم بالمطالبة بحقوقنا من الغير في حالة التعدي عليها مهما كلفها ذلك من ثمن؟. بما في ذلك دم الشهيد محمود المبحوح الذي هو ليس من إختصاص أمن دبي أن تطالب بحقه كما هو واضح من تصريحات ضاحي خلفان نفسه الذي يركز بدرجة أساسية على حق دبي بالدفاع عن حرمتها كقضية فنية ومهنية نشكره عليها كونه يؤدي واجبه على أكمل وجه ، بيد أن اللوم يقع هنا على السياسة التي يمتهنها القادة العرب الخُرس الموكلين بالدفاع عنا والذين يفترض أن لا يهدأ لهم بال حتى يتم القبض على الجاني وتعويض المجني عليه لو أعتبرنا فقط أن المبحوح مجرد إنسان فلسطيني عربي.

لو أفترضنا جدلاً أن زعيماً عربياً أشترك في إغتيال أحد القادة أو المواطنين الأوروبيين أو الإسرائليين وأفتضح أمره بنفس الدرجة التي أفتضح بها نتنياهو رئيس وزراء الكيان الصهيوني في إغتيال المبحوح ، ألن تقوم الدنيا كلها عليه ولن تقعد إلا بعد إصدار أمر دولي بالقبض عليه ومحاكمته في محكمة الجنايات الدولية هذا إذا لم تجهز له جيوش العالم لإحتلال بلاده؟!!!

ومع ذلك من الواضح أن قصة المبحوح المنكرة ستنتهي للأسف بالخزى والعار علينا جميعاً كزوبعة في فنجان رغم أنها قد حققت الإنجاز المطلوب منها في أن من يدخل دبي فهو آمن ، لكنها ستضاف إلى سلسلة الجرائم الصهيونية الأخرى حيث أننا أصبحنا مشغولون بقضايا إنتهاك أخرى أشد وأنكى من سابقاتها ودون أن نحرك أو تحرك أنظمتنا ساكنا كما لو أن حكوماتنا إمتداد لجهاز الموساد نفسه. بل أن القضايا التالية قد بدأت لتغطية سابقتها وعلى الفور وذلك بضم الحرم الإبراهيمي ومسجد بلال للكيان الصهيوني ، وتصعيد إستباحة وتدمير الأقصى ، والتصعيد في تهويد القدس والمفاوضات الغير مباعشرى ، وستمر كلها كما مرّ الجدار الفولاذي العازل والحرب على غزة وتقرير جولدستون وغيرها المئات طيلة الستة العقود أو القرن الماضي. فتأملوا.