الحوثي: حرب الوهم
بقلم/ صهيب المياحي
نشر منذ: 18 ساعة و 5 دقائق
السبت 22 مارس - آذار 2025 01:28 ص
  

يبدو الحوثي اليوم كمن يتخبط في ظلام صنعه بنفسه، عالقًا بين شعاراته المعلنة وواقع أفعاله. يرفع راية الحرب على أمريكا وإسرائيل، لكنه في الحقيقة لم يوجه بنادقه إلا إلى صدور اليمنيين. إن هذا التناقض ليس مجرد خطأ استراتيجي، بل هو انعكاس لحالة من الوهم السياسي الذي يعانيه هذا الكيان المسلح، إذ يحاول أن يمنح نفسه دورًا أكبر من حجمه، متوهمًا أنه قادر على تحريك موازين القوى في المنطقة، بينما هو في الحقيقة مجرد أداة أخرى في رقعة الشطرنج الإقليمية.

  

الحوثي لا يحارب القوى الكبرى، بل يحارب اليمنيين، ولا يقاوم الطغيان، بل يمارسه بأشد صوره. إنه كيان غارق في الوهم، يعتقد أن بإمكانه ابتلاع العالم كأن البشرية مجرد قطيع يمكن توجيهه بإشارة من سبابته. لكنه لا يدرك أن هذا العالم لا يعمل وفق منطقه المهووس، وأن التاريخ مليء بمن حاولوا الهيمنة بالقوة، ولم يتركوا سوى رماد ممالكهم خلفهم.

 

الحديث عن الحوثي لا يمكن أن يتم دون النظر إلى عمق الجريمة التي يرتكبها بحق الشعب اليمني. هو ليس مجرد قائد يمني أو زعيم سياسي، بل هو مجرم حرب بكل ما تحمله الكلمة من معنى. يمارس أفعالًا وحشية لا تقتصر فقط على القتل والتدمير، بل تتعداها إلى تمزيق نسيج المجتمع اليمني، وتحطيم كل ملامح الإنسانية فيه. في كل قذيفة يطلقها، في كل هجوم يشنه على تعز أو غيرها من المدن، يبرهن على أنه ليس مجرد شخص يسعى للسلطة، بل هو وحش لا يبالي بحياة البشر ولا يعترف بأي كرامة إنسانية. هو يعامل اليمنيين كأدوات لغاياته السياسية الضيقة، ويقتلهم بلا رحمة أو تفكير.

 

هو مجرم لا يعبأ بمفهوم العدالة أو الإنسانية. في زعمه أنه يقاوم "أمريكا وإسرائيل"، يغطي على حقيقة واحدة: الحوثي يقاتل من أجل نفسه، من أجل سلطته، ومن أجل تكريس وجوده في الحكم على جثث الأبرياء. شعاراته الثورية هي في جوهرها وسيلة لتمرير قمعه المستمر للشعب، وتبرير أفعاله القذرة في محيط مليء بالدماء والدمار. هو يدعي محاربة الكيان الإسرائيلي، بينما هو في الواقع يحارب اليمنيين أنفسهم، ويسلبهم حقهم في الحياة، في الحرية، في الكرامة. مازال الى اليوم يقصف تعز فقط لأن أبنائها رفضوا أن يكونوا جزءًا من اللعبة الدموية التي يلعبها الحوثي. لقد قصف المنازل، وقتل الأطفال، وشرد العائلات، ولا يزال يمارس أبشع الجرائم في عملية متواصلة لإخضاع الشعب لسلطته الظالمة.

 

إن الحوثي لا يعرف معنى القيادة الحقيقية. القائد الحقيقي لا يقتل من حوله من أجل السلطة، بل يُحيي، يُبني، يعزز من تماسك مجتمعه. لكن الحوثي لا يختلف عن أي طاغية تاريخي تاريخه مليء بالدماء والألم. هو يتاجر بمعاناة شعبه ويستمر في تدمير الوطن دون أدنى اعتبار للثمن الذي يدفعه المواطن العادي في كل لحظة. الحوثي هو الوجه الآخر للجريمة التي لا تعد ولا تحصى، وهو المجرم الذي يتخفى وراء قناع "الجمهورية" لتحقيق طموحات شخصية محضة، في حين يظل اليمن يذبل تحت أنقاض الحرب.

 

لا يمكننا أن نغفل أن الحوثي يتقن استخدام الأساطير والكلمات لخلق صورة زائفة عن نفسه كمنقذ. هو يتاجر بمقدسات الوطن والشعب، مستخدمًا قضايا أخرى مثل "العداء لأمريكا وإسرائيل" كستار يخفي من وراءه وجهه الحقيقي: وجه مجرم يسعى لتدمير اليمن لمصلحة أجندات خارجية، حتى لو كانت على حساب تدمير الشعب الذي يزعم أنه يناضل من أجله. الحوثي لا يفهم أن المخلص لا يتاجر بالأرواح، ولا يستهين بالدماء، ولا يقتل الناس الذين يفترض أنه يقودهم نحو مستقبل أفضل. هو ليس مخلصًا، بل هو جزار، يذبح الأحلام ويقضي على المستقبل ليحقق طموحات قاتلة.

 

في النهاية، الحوثي ليس مجرد فشل سياسي، بل هو جريمة كبرى بحق الإنسانية. في كلماته ووعوده الزائفة، يكمن الخطر الأكبر: خطر التحريف المتعمد للواقع، والخداع المستمر الذي يروج له ليحافظ على سلطته. لكن الحقيقة لا بد أن تظل حاضرة، واليمنيون يعرفون في أعماقهم أن هذه السلطة، المبنية على الدماء، لن تستمر طويلًا. الحوثي في النهاية ليس سوى مجرم سيحاكمه التاريخ، والشعب لن يغفر له أبدًا.