المصالحه اليمنيه والعداله الانتقاليه
بقلم/ محمد الحميدي
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 6 أيام
الأحد 05 فبراير-شباط 2012 07:27 م

بعد إن حققت المعارضة اليمنية هدفها في استعادة السيطرة على الشارع اليمني الذي ترك هبتها الشعبية بداية عام 2011م والتف حول ثورة التغيير حتى عادت بالإحداث إلى ألنقطة التي توقف فيها صراعها مع النظام مدججة بأسلحة الفعل الثوري ومدعمه بقوى الثورة في الساحات والميادين ألعامه, تمكنت بواسطتهما من تقاسم السلطة مع النظام بكل يسر, بموجب المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية ألموقعه بينهما في 23نوفمبر2011م في الرياض .

وبقدر ما كانت مسألة وصول المعارضة إلى السلطة سهله فقد كانت عملية ممارستها للحكم صعبه,حيث منيت بفشل ذريع في السيطرة على مؤسسات ألدوله وتسيير شؤونها وإثبات كفاءتها , كما فقدت دعم أغلب قوى الثورة وأنصارها للخروج من الوضع الراهن والانتقال إلى المرحلة التالية من الفترة الانتقالية التي ستهيئ لها الظروف المناسبة للسيطرة على مقاليد الحكم بشكل تام إذا ما تجاوزت مرحلة الثورة وأوجدت تقارب حقيقي مع الشركاء والخصوم

لذالك فقد رأت في تبني مبدأ العدالة الانتقالية الذي طبق منذ منتصف السبعينات في بعض البلدان كأوغندا وبوليفيا ,الأرجنتين, تشيلي, جنوب إفريقيا, تيمور الشرقية ,صربيا والمغرب مخرجاً" يمكنها من التوفيق بين إنفاذ قانون الحصانة الممنوح للرئيس صالح وأعوانه وبين الالتفاف على مطالب الثوار والضحايا لمحاكمة المسئولين من مرتكبي جرائم القتل والانتهاكات التي حدثت خلال أحداث الثورة وحتى ألآن من خلال هذا المبدأ بهدف تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة رغم مخالفته الصريحة لأحكام الشريعة الإسلامية والدستور القائم والقوانين والإتفاقيات الدولية ذات الصلة

إننا ندرك جيداً بأن المصالحة الوطنية عملية تهدف إلى طي صفحة الماضي ونسيانه وبأنها رؤية ومنهج يهدف إلى مساعدة ألدوله في التخلص بشكل مباشر وسلمي من ثقل الماضي والسير نحو بناء مجتمع ديمقراطي.

لكننا أيضاً نفهم بأنها لا تعني عدم إنصاف الضحايا ومحاسبة من ارتكبوا تلك الجرائم والانتهاكات, ونعلم بأن شرعية العدالة الانتقالية لاتقاس بمدى رغبة السلطة الحاكمة وإرادتها بل بمدى معارضة أو تأييد الضحايا لها ودرجة قدرتهم على العفو.

ومما سبق يتضح أن السياسة ألحاليه للدولة لا تسعى لتنفيذ أي مصالحة بمفهومها الصحيح بقدر ماتسعى لتسويق الأمر كجهود ترمي إلى إرساء السلام و تعزيز الثقة الوطنية بين شركاء الحكم و خصومهم القدامى بعيداً عن سياق العدالة والمحاسبة.

مما يجعل مصطلح العدالة الانتقالية الذي تريد السلطة تنفيذه يعتريه بعض الغموض أو التداخل مع مفهوم العدالة التقليدية، حيث أن العدالة الانتقالية من حيث المفهوم تعني بالفترات الانتقالية التي يجري فيها الانتقال من حالة نزاع داخلي مسلح إلى حالة السلم، أو الانتقال من حكم سياسي تسلطي إلى حكم ديمقراطي ويواكب هذه المراحل بعض الإجراءات الإصلاحية الضرورية لجبر الأضرار لضحايا الانتهاكات ولاتمتد إلى قضايا أخرى منفصلة عن تلك ألمرحله كما تسعى الحكومة اليمنية في مشروعها سالف الذكر الذي يمتد إلى عام 1994م لغرض في نفس يعقوب وخلط الاوراق.

كما إن هناك بعض المأخذ على مشروع القانون لتعارضه مع منظومة التشريعات الوطنية فيما يلي :-

1- المادة (3) من الدستور جعلت من الشريعة الإسلاميه المصدر الرئيسي للتشريع والشريعة حفظة حق العباد في دمائهم وأموالهم وحصرت الحق في القصاص أو العفو على الضحايا وأولياء الدم .

2- كفل الدستور اليمني الحقوق والحريات ألعامه الأساسية للإنسان وضمن صيانتها والحفاظ عليها ومنع إنتهاكها أو التعرض لها وفقاً للمواد(40-60).

3- المادة(6) من الدستور اليمني أكدت عمل الدوله بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصوره عامه وكلها تجرم تلك الانتهاكات ولا تجيز إفلات المجرمين من المسئوليه.

4- قصر القانون صلاحية الرئيس في العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، وأما العفو العام أو العفو عن الجريمة فلا يكون إلا بقانون.

5- حظرت المادة (48) من الدستور الاعتداء على الحريات الشخصية وحرمة الحياة الخاصة واعتبره إي اعتداء عليهما أو على غيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم، وألزمت السلطة بدفع تعويضاً عادلاً لمن وقع عليه الضرر.

وبهذا فإن العفو العام الذي تسعى الحكومة لإقراره من خلال مشروع قانون العدالة الانتقالية يتناقض بجلاء مع ما سبق وبالأخص ماورد في المادة (48) وشأنه شأن قانون . الحصانة بالإضافه إلى مخالفته نصوص القانون الدولي التي تلزم كافة الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان بعد ارتكابها وضرورة فرض عقوبات على المسئولين عنها.

كما إن أهمية محاكمات مرتكبي تلك الإنتهاكات تكمن في مساعدة الدوله على إعادة الثقة بينها وبين المواطن وخلق شعور عن سيادة القانون وإدانة النظام والمجتمع للسلوك الإجرامي مهما كانت مبرراته وإنفاذ العدالة لإعادة الكرامة للضحايا .

إلا أننا نرى أن سعي السلطة لمخالفة القوانين النافذة والتخلي عن إلتزاماتها المتعلقة بالقانون الدولي سيؤدي إلى إفلات مرتكبي تلك الجرائم من المسئولية بشكل غير عادل ويجعلهم أحراراً ليرتكبوا في المستقبل مزيداً من الجرائم

ويثيروا النزاعات ويقلقون الأمن والإستقرار ما قد يؤدي ببعض الضحايا إلى أخذ القصاص بأيديهم والقيام بأعمال خاصة للثأر لأنفسهم، ما من شانه تأجيج النزاعات من خلال الأخذ بالثأر والقصاص المضاد بين الجماعات و هو ما قد يعرف اصطلاحاً بالثأر السياسي ولدينا الكثير من العبر منذ قيام ثورتي 26سبتمبر 1962م و14 أكتوبر1963م .

وقد يحاجج البعض في أن العفو العام حاجة وإجراء سيساهم في إتمام المصالحة الوطنية، لكونها جزءً أساسياً من عملية سياسية تتطلب غض النظر عن كثير من الممارسات التي أقدم عليها طرفي الانقسام، لكي يتم النجاح في تحقيق المصالحة.

وهذا هو ما يجعل من المصالحة بمثابة ضمانة لإفلات مرتكبي الانتهاكات والقتل من العقاب، ويغيب الشفافية والمصداقية في التعاطي مع ملف الضحايا بصورة لا بئس فيها، ويقتصر العقوبات مسبقاً على الإعتذار وجبر الضرر والتعويض ورد الإعتبار دون أن يمكن الضحايا والمجتمع من معرفة الحقيقة بشفافية وصدق والإطلاع على نتائج لجان تقصي الحقائق أو الاستماع إلى المتهمين ومسائلتهم فيما اقترفوه من إنتهاكات وجرائم بحقهم وهو مبدءاً أساسي في هذه المسألة لكي يتطلعوا بشكل كامل على خلفية وملابسات وحيثيات ووقائع تلك الإحداث ويقرروا بمحض إرادتهم قبول الإعتذار أو التعويض عما لحق بهم من ضرر والصفح عن الفاعلين .

إن العقدة في هذه القضية تكمن في وجود إرادة سياسية لدى أطراف السلطة للدفع بالسير في هذه العملية للإلتفاف على مطلب المحاسبة لتجاوز خلافاتهم فقط لذالك نراهم يتخبطون كما من يتخبطه المس للبحث عن مخارج مشروعه كقانون الضمانة أو الحصانة أو العفو ثم المصالحة ولأن العدالة الانتقالية فهم على استعداد للأخذ بتجارب الشيطان لإنقاذ بعضهم ولذالك ذهب بعض منظريهم إلى طرح مقترح الإستفتاء لإقرار المصالحة والعفو العام مرتكزاً على خبراته السابقة إلا أن الدستور اليمني لم يتطرق لهذه المسألة وطرح آخرين دعوة شركاء السلطة في الحكومة إلى تعديل الدستور ,وبذالك يتضح أن الغاية ليس التصالح مع الشعب بل التصالح مع بعض.

في الأخير نقول لهؤلاء إن تحقيق العدالة الإنتقالية وإجراء مصالحه وطنيه لا يمكن تحقيقها إلا بتحقيق المطالب التالية:-

1- توافر الإرادة السياسية

2- وضع الإطار التشريعي والقانوني لقانون للعدالة الانتقالية بما لا يتناقض مع الدستور و متطلبات القانون الدولي

3- إيجاد نظام قضائي يتمتع بكفاءة في التعامل مع هذه القضايا ويحوز على بنية أساسية مناسبة قادرة على حمل أعباء هذه العملية.

4- اختيار محققون وخبراء قانونيون على أساس الكفاءات لا الولاءات.

5- حصر جميع قضايا الانتهاكات والقتل والبدء بسير الإجراءات القانونية لجمع الإستدلالات وتحديد المتهمين وإيقافهم عن إعمالهم والتحفظ عليهم وفقاً للقانون النافذ وعدم ربط الأمر بمشروع قانون العدالة الانتقالية أو قانون

الحصانة.

6-إجراء نقاش وطني تشارك فيه جميع الأحزاب والقوى ومختلف فئات المجتمع في الساحة اليمنية من أجل الإتفاق على موقف موحد تجاه إقرار مبدأ العفو العام أو الصفح والمغفرة من عدمها دون أن يؤثر هذا على سير إجراءات القضية.

إلا أن الأكثر احتمالاً وقبولاً هو السير في محاكمة من هم مسئولون عن الجرائم وبعد الإنتهاء من تلك المحاكمات يمكن الحديث عن مبدأ الصفح والمغفرة والانتقال إلى القضايا الأخرى كالقضية الجنوبية والحوثيه وغيرها حسب الاهميه.