اليمن تحصد المراكز الأولى في مسابقة دولية للقرآن الكريم
عاجل: 6 غارات أمريكية تستهدف جنوب وشمال العاصمة صنعاء قبل قليل
21 حوثيًا يحملون رتبًا عسكرية أقرت الجماعة بمقتلهم في أعلى حصيلة يومية ''الأسماء''
مأرب: إحياء ذكرى استشهاد أيقونة الحرية حمدي المكحل والشهيد خالد الدعيس
قائد الجيش السوداني من القصر الجمهوري يعلن النصر وسحق مليشيا الدعم السريع
تفاصيل لقاء رئيس حلف قبائل حضرموت بقائد قوات التحالف الداعم للشرعية بالرياض
إعلان سار للموظفين بشأن موعد صرف مرتبات شهر مارس
ضربات جوية في اليمن وتعزيزات عسكرية ضخمة للقوات الأمريكية في المحيط الهندي
استخدمه مساعدو ترامب لمناقشة حرب اليمن.. ما لا تعرفه عن تطبيق سيغنال
الحوثيون يجتاحون صنعاء بحملة اعتقالات مستهدفة مع تصاعد الضغوط الأميركية
قصة قصيرة
كنت قد بلغت السادسة من عمري لكني ما زلت أرضع من صدر أمي، قالت جدتي:
ــ الولد كبر ويجب أن تفطميه.
ثم قالت وهي تحذر أمي:
ــ إذا لم نفطمه فلن يترك الرضاعة حتى لو بلغ.
ثم رأيت جدتي تهمس لأمي التي خرجت فورا، بعد ذلك جئت لأرضع فوجدت صدرها مرا، وعلى الفور تحركت وجئت بإناء فيه ماء وغسلت صدر أمي ورضعت.!
ذُهلت جدتي والنسوة اللواتي كن في المكان مما فعلت وضحكن.
ــ الولد هذا شيطان.
هكذا قالت جدتي ثم أشارت لإحدى البنات:
ــ اذهبي إلى عمتك فاطمة حسن تأتي فورا.
وحين جاءت عمتي فاطمة قبلت رأس جدتي وجلست وهي تجفف عرقها، قالت جدتي:
ــ اسكب ماء لعمتك.
وسكبت لها الماء وناولتها، ثم أعطتها جدتي حزمة من القات.
قلت لجدتي:
ــ كيف عمتي واسمها فاطمة حسن؟
قالت جدتي:
ــ قلت لكم الولد شيطان.
وبدأت تحكي:
ــ فاطمة حسن عمتك من الرضاعة، رضعت مني مع أبوك أكثر من سنة، كانت أمها تأتي تساعدني وهي معها طفلة، وكانت تجوع وتظل تصرخ وأمها منشغلة بالمطبخ فأشفق عليها وأرضعها، كنت أرضعها بجهة وأبوك بجهة.
وأضافت:
_ فاطمة بنتي أنا من ربيتها حتى أن زوجها خطبها مني قبل أبوها وأمها. وضعت أمي ثيابي في حقيبة صغيرة وسلمتها لعمتي فاطمة.
وأصدرت جدتي القرار:
ــ اذهب مع عمتك فاطمة.
وهرعت أمي تقبلني فضحكت جدتي:
ــ تودعيه كأنه مسافر السعودية؟!
وأضافت تطمئنها:
ــ هو سيهرب ويرجع بالصباح. هذا شيطان.
ولم أحزن لأنني فارقت بيتنا لأول مرة حيث ذهبت مع عمتي إلى بيتها في أعلى القرية، كانت وحيدة بلا أطفال.
حين دخلنا صعدنا الدرج إلى الدور الثاني وأسرعت عمتي إلى الفانوس وأخرجت زجاجته ومسحتها ثم أشعلته، تأملت الديوان المرتب بعناية وصورة ذلك الرجل بشاربه الكث ولحيته الخفيفة:
ـ من هذا الذي في الصورة؟
ــ عمك إبراهيم.
ــ أين هو؟
ــ بالسعودية.
ــ متى سيعود؟
ــ في آخر شريط قال سيأتي برمضان.
ثم تنهدت وسالت دموعها فلذتُ بالصمت.
دست يدها في حقيبة وأخرجت لي تمرا غسلته وناولتني فأكلته وبقينا صامتين.
اقتربت من الصورة وقرأت المكتوب عليها " في جدة 1984م".
ذهلت عمتي وسألتني:
ـ أنت تعرف تقرأ؟
قلت لها مزهوا:
ـ أنا أقرأ من الكتب. الأستاذ حاتم " السوداني" قال: أنا أشطر واحد بصف أول.
ــ عادك صغير وترضع من أمك؟! وضحكت.
وتنبأت لي أنني عندما أكبر سأكون شيخا كبيرا لكني سأذهب لأحكم بين الناس وحين أرجع إلى البيت سأرضع.!
وضحكت.
وغضبت منها وهددتها بأنني سأعود إلى بيتنا فقالت:
ـ في طاهش كبير بالطريق لو رآك سيتعشى بك الليلة.
وضعت حدا لتهديدي فسكتُ.
تركتني وذهبت، فتحت النافذة كانت أضواء الفوانيس تبرز شاردة من نوافذ المنازل، قريتنا هادئة حتى الكلاب لم أسمع نباحهم.!
وفي القرية الأخرى كانت أضواء الكهرباء قد حولت ليلها إلى نهار، حتى أنني حين دققت النظر رأيت أطفالا يلعبون تحت ضوء الكهرباء.
حملت الفانوس وبحثت عنها في كل الغرف فلم أجدها فهجم علي الخوف، نزلت إلى الدور الأرضي فوجدتها تحلب البقرة وتغني بأغنية حزينة، سألتني:
ــ خفت وأنت وحدك؟
صمتُ. صعدنا سويا إلى المطبخ في الدور الثالث وفجأة أخبرتها بالسر الخطير.
ــ تعرفي أننا لما أكبر سأتزوج ببنت من؟
نظرت نحوي وسألتني:
ــ بنت من؟ أكيد بنت الشيخ ؟
ـ بقول لك بس لا تخبري أحد.
ــ قل.
ــ بنت الرئيس.
وأضفت:
ــ سأبني لها قصر من عشرين دور.
ــ الله الله الله. هذا قصر كبير زيادة.!
ــ خلاص سأخليه عشرة أدوار بس.
هزت رأسها وسكتت.
بعد العشاء عدنا إلى المطبخ، أوقدت الجمر ووضعتها على البوري قائلة:
ــ ما أطعم القات إلا بالمداعة.
ما إن بدأت تقرقر بالمداعة حتى سمعنا صوت إطلاق الرصاص، فتحت النافذة لتسمع فلم تفهم شيئا، أخذت بيدي وصعدنا إلى السقف، رمت بحجر صغير على نافذة الجيران، وحين فتحوا النافذة نادت على جارتها:
ـ ما في؟ من يطلق الرصاص؟
ـ قالوا سرق دخلوا مزرعة القات حق عبد الله ثابت فأطلق الرصاص عليهم.
عدنا إلى الديوان.
وظلت تحكي لي قصصا من طفولتها حتى نمت.
في الصباح بعد الفطور ساقت أمامها البقرة وذهبنا إلى الوادي، ربطت البقرة على الشجرة وبقيت تجز بالمنجل الأعشاب والحشائش وتطرحها للبقرة، أخرجت من جيبي المقلاع الذي اشتريته بخمسة ريال وبقيت أطارد اليمام لعلي أصطاد إحداها ولكن دون جدوى.
عدت إليها ألهث وقد جف حلقي وعطشت. سألتها عن الماء فأخرجت القربة من بين الأشجار وناولتني فشربت.
عدت لمطاردة اليمام لكنها نادت علي، وحين جئتها أشارت إلى رجل ينزل من ناحية الجبل:
ــ تشوف ذاك الرجل؟
ـ أيوه.
ــ ألقيه إلى الطريق وناوله هذه النقود وقل له: جيب لأمي قات.
ـ بس أنتِ عمتي مش أمي؟
ــ خلاص قل له: جيب لعمتي قات.
قطعت طريق الرجل وناولته النقود وطلبت منه القات فجلس والعرق يتصبب من وجهه، أخرج عدة حزم من القات وناولني بصمت ومضى.
أسرعت إليها وناولتها القات فوضعته في الكيس ثم خبأته بجوار القربة.
في المساء حين بدأت تمضغ القات وتقرقر بالمداعة " النرجيلة " ناولتني كتاب وطلبت أن أقرأه، كان مكتوب عليه " سيرة ملك اليمن سيف بن ذي يزن".
وبدأت أقرأ " كان في قديم الزمان وسالف العصر والآوان ملك من الملوك السابقة ذو عزة وتمكين وهيبة في العالمين..
قاطعتني:
ــ تعرف؟ كنت أسمع مسلسل سيف بن ذي يزن بالراديو ولما شاف عمك إبراهيم أنني متعلقة بالمسلسل أشترى لي الكتاب، وكان يقرأ لي لما نسمر سوا.
وتنهدت ثم سالت دموعها فجأة.
صمتُ..
مسحت دموعها ثم قالت:
ــ لم يرزقني الله بطفل حتى الآن، أقضي الليالي وحيدة هنا، أحيانا يأتي أخي نبيل يؤانسني وأحيانا لا يأتي.
وحين يطول علي الليل أسمع الأشرطة التي يرسلها عمك إبراهيم وأظل أبكي حتى يغلبني النوم.
بعد أسبوع جاءت أمي فجأة. قالت لعمتي:
ــ جئت سرقة، لم يعلم أحد أنني سآتي.
احتضنتني وقبلتني وبقيت معنا ساعة ثم ذهبت.
فتحت النافذة وبقيت أتابعها بنظراتي حتى اختفت بين البيوت.
ومرت أسابيع وذهبنا إلى بيتنا، كانت أول ليلة من رمضان، تسمرنا أمام المذياع ننتظر إعلان شهر رمضان.
وحين أعلن عن حلول شهر رمضان قام عمي بتشغيل المولد الكهربائي، لعبنا نحن الأطفال في ضوء الكهرباء حتى منتصف الليل لأعود مع عمتي.
حين عدنا فوجئنا برجل يجلس أمام الباب وما إن رأته عمتي حتى هرعت إليه وعانقته.
ارتبكت ولم أدر ماذا أفعل؟! لكنه تركها حين رآني وأقبل إلي يصافحني.
ــ أنت محمد صح؟
هززت رأسي موافقا.
قالت عمتي:
ــ هذا عمك إبراهيم.
فتحت الباب وأدخلنا الحقائب، كانت عمتي تبكي وتضحك من الفرحة.
أكلت ثانية معه ثم أعطاني حفنة كبيرة من الزبيب والمكسرات قائلا:
ــ لو نمت الآن سأعطيك غدا جائزة.
ثم دس يده في جيبه وأخرج ورقة جديدة من النقود ولوح بها في الهواء.
وبدأت أتظاهر بالنوم لكنني نمت فعلا فقد كنت مرهقا من اللعب.
وفي الصباح صحوت فوجدت عمتي وعمي يغطون في نومهم، فتحت النافذة كانت القرية كلها نائمة.
خرجت إلى جوار البيت وبقيت ألعب بصمت.
في المساء ذهبنا إلى منزلنا، صافح عمي إبراهيم جدتي ودس في يدها النقود وناولها كيس الهدايا.
في تلك الليلة منعتني جدتي من العودة مع عمتي.
وفي العيد جعلتني عمتي موضع حسد إخواني وأبناء عمي حيث أشترت لي بذلة فاخرة وقدمت لي النقود.
بعد العيد جاءت تسوق بقرتها التي أعطتها لأمي لترعاها، وسمعتهم يقولون أنها ستذهب مع عمي إبراهيم للسعودية للعلاج كي تنجب الأطفال.
في اليوم التالي جاءت تودعنا. كانت جدتي تبكي كما لم أرها من قبل. قالت:
ــ لولا حرصك على الخلفة والحج ما سمحت لك بالسفر.
أعطتنا جميعا النقود وحين ودعتها قبلتني ودست في جيبي رزمة من النقود، أنطلق الأطفال إلى دكان القرية لشراء الحلوى لكنني لم أذهب معهم، صعدت إلى الأكمة بجوار بيتنا وبقيت أرقب سيارة عمي وهي تبتعد وخلفها ذيلا من الغبار، وحين غابت عن أنظاري بكيت بشدة، لأعيش أول حزن حقيقي في حياتي.
*****